الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٤٥٤
فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون. وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون. تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق، وما الله يريد ظلما للعالمين. ولله ما في السماوات وما في الأرض وإلى الله ترجع الأمور. كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون. لن يضروكم إلا أذى
____________________
والنضير. وقيل هم المرتدون، وقيل أهل البدع والأهواء. وعن أبي أمامة هم الخوارج. ولما رآهم على درج دمشق دمعت عيناه ثم قال: كلاب النار هؤلاء شر قتلى تحت أديم السماء، وخير قتلى تحت أديم السماء الذين قتلهم هؤلاء، فقال له أبو غالب: أشئ تقوله برأيك أم شئ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: بل سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة، قال: فما شأنك دمعت عيناك؟ قال رحمة لهم كانوا من أهل الإسلام فكفروا، ثم قرأ هذه الآية، ثم أخذ بيده فقال: إن بأرضك منهم كثيرا فأعاذك الله منهم. وقيل هم جميع الكفار لإعراضهم عما أوجبه الإقرار حين أشهدهم على أنفسهم - ألست بربك قالوا بلى - (ففي رحمة الله) ففي نعمته وهي الثواب المخلد. فإن قلت: كيف موقع قوله (هم فيها خالدون) بعد قوله ففي رحمة الله؟ قلت: موقع الاستئناف كأنه قيل: كيف يكونون فيها؟ فقيل هم فيها خالدون لا يظعنون عنها ولا يموتون (تلك آيات الله) الواردة في الوعد والوعيد (نتلوها عليك) ملتبسة (بالحق) والعدل من جزاء المحسن والمسئ بما يستوجبانه (وما الله يريد ظلما) فيأخذ أحدا بغير جرم، أو يزيد في عقاب مجرم، أو ينقص من ثواب محسن، ونكر ظلما، وقال (للعالمين) على معنى: ما يريد شيئا من الظلم لأحد من خلقه، فسبحان من يحلم عمن يصفه بإرادة القبائح والرضا بها. كان عبارة عن وجود الشئ في زمان ماض على سبيل الإبهام، وليس فيه دليل على عدم سابق ولا على انقطاع طارئ، ومنه قوله تعالى - وكان الله غفورا رحيما - ومنه قوله تعالى (كنتم خير أمة) كأنه قيل وجدتم خير أمة، وقيل كنتم في علم الله خير أمة، وقيل كنتم في الأمم قبلكم مذكورين بأنكم خير أمة موصوفين به (أخرجت) أظهرت، وقوله (تأمرون) كلام مستأنف بين به كونهم خير أمة كما تقول زيد كريم يطعم الناس ويكسوهم ويقوم بما يصلحهم (وتؤمنون بالله) جعل الإيمان بكل ما يجب الإيمان به إيمانا بالله لأن من آمن ببعض ما يجب الإيمان به من رسول أو كتاب أو بعث أو حساب أو عقاب أو ثواب أو غير ذلك لم يعتد بإيمانه، فكأنه غير مؤمن بالله - ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا - والدليل عليه قوله تعالى (ولو آمن أهل الكتاب) مع إيمانهم بالله (لكان خيرا لهم) لكان الإيمان خيرا لهم مما هم عليه لأنهم إنما آثروا دينهم على دين الإسلام حبا للرياسة واستتباع العوام، ولو آمنوا لكان لهم من الرياسة والأتباع وحظوظ الدنيا ما هو خير مما آثروا دين الباطل لأجله مع الفوز بما وعدوه على الإيمان من إيتاء الأجر مرتين (منهم المؤمنون) كعبد الله بن سلام وأصحابه (وأكثرهم الفاسقون) المتمردون في الكفر (لن يضروكم إلا أذى) إلا
(٤٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 449 450 451 452 453 454 455 456 457 458 459 ... » »»