الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٤٥٥
وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون. ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق، ذلك بما عصوا
____________________
ضررا مقتصرا على أذى بقول من طعن في الدين أو تهديد أو نحو ذلك (وإن يقاتلكم يولوكم الأدبار) منهزمين ولا يضروكم بقتل أو أسر (ثم لا ينصرون) ثم لا يكون لهم نصر من أحد ولا يمنعون منكم، وفيه تثبيت لمن أسلم منهم كانوا يؤذونهم بالتلهي بهم وتوبيخهم وتضليلهم وتهديدهم بأنهم لا يقدرون أن يتجاوزوا الأذى بالقول إلى ضرر يبالي به مع أنه وعدهم الغلبة عليهم والانتقام منهم، وأن عاقبة أمرهم الخذلان والذل. فإن قلت: هلا جزم المعطوف في قوله: ثم لا ينصرون؟ قلت: عدل به عن حكم الجزاء إلى حكم الأخبار ابتداء كأنه قيل: ثم أخبركم أنهم لا ينصرون. فإن قلت: فأي فرق بين رفعه وجزمه في المعنى؟ قلت: لو جزم لكان نفي النصر مقيدا بمقاتلتهم كتولية الأدبار، وحين رفع كان نفي النصر وعدا مطلقا كأنه قال: ثم شأنهم وقصتهم التي أخبركم عنها وأبشركم بها بعد التولية أنهم مخذولون منتف عنهم النصر والقوة، لا ينهضون بعدها بجناح ولا يستقيم لهم أمر، وكان كما أخبر من حال بني قريظة والنضير وبني قينقاع ويهود خيبر. فإن قلت: فما الذي عطف عليه هذا الخبر؟ قلت: جملة الشرط والجزاء كأنه قيل: أخبركم أنهم إن يقاتلوكم ينهزموا ثم أخبركم أنهم لا ينصرون. فإن قلت: فما معنى التراخي في ثم؟ قلت: التراخي في المرتبة لأن الإخبار بتسليط الخذلان عليهم أعظم من الإخبار بتوليتهم الأدبار. فإن قلت:
ما موقع الجملتين أعني منهم المؤمنون ولن يضروكم؟ قلت: هما كلامان واردان على طريق الاستطراد عند إجراء ذكر أهل الكتاب كما يقول القائل وعلى ذكر فلان فإن من شأنه كيت وكيت، ولذلك جاءا من غير عاطف (بحبل من الله) في محل النصب على الحال بتقدير إلا معتصمين أو متمسكين أو ملتبسين بحبل من الله وهو استثناء من أعم عام الأحوال. والمعنى: ضربت عليهم الذلة في عامة الأحول إلا في حال اعتصامهم بحبل الله وحبل الناس، يعني ذمة الله وذمة المسلمين: أي لا عز لهم قط إلا بهذه الواحدة وهي التجاؤهم إلى الذمة لما قبلوه من الجزية (وباءوا بغضب من الله) استوجبوه (وضربت عليهم المسكنة) كما يضرب البيت على أهله فهم ساكنون في المسكنة غير ظاعنين عنها وهم اليهود عليهم لعنة الله وغضبه (ذلك) إشارة إلى ما ذكر من ضرب الذلة والمسكنة والبواء بغضب الله: أي ذلك كائن بسبب كفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء ثم قال (ذلك بما عصوا) أي ذلك كائن بسبب عصيانهم لله واعتدائهم لحدوده ليعلم أن الكفر وحده ليس بسبب في استحقاق سخط الله، وأن سخط
(٤٥٥)
مفاتيح البحث: الضرب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 450 451 452 453 454 455 456 457 458 459 460 ... » »»