الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٤١٤
من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب. ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد. إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك هم وقود النار. كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب. قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم
____________________
بنا (من لدنك رحمة) من عندك نعمة بالتوفيق والمعونة، وقرئ لا تزغ قلوبنا بالتاء والياء ورفع القلوب (جامع الناس ليوم) أي تجمعهم لحساب يوم أو لجزاء يوم كقوله تعالى - يوم يجمعكم ليوم الجمع - وقرئ جامع الناس على الأصل (إن الله لا يخلف الميعاد) معناه أن الإلهية تنافي خلف الميعاد كقولك إن الجواد لا يخيب سائله، والميعاد الموعد. قرأ علي رضي الله عنه (لن تغني) بسكون الياء وهذا من الجد في استثقال الحركة على حروف اللين من في قوله (من الله) مثله في قوله: وإن الظن لا يغني من الحق شيئا. والمعنى: لن تغني عنهم من رحمة الله أو من طاعة الله (شيئا) أي بدل رحمته وطاعته وبدل الحق منه " ولا ينفع ذا الجد منك الجد " أي لا ينفعه جده وحظه من الدنيا بذلك: أي بدل طاعتك وعبادتك وما عندك، وفي معناه قوله تعالى - وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى - وقرئ وقود بالضم بمعنى أهل وقودها، والمراد بالذين كفروا من كفر برسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن ابن عباس رضي الله عنهما: هم قريظة والنضير. الدأب مصدر دأب في العمل إذا كدح فيه فوضع موضع ما عليه الإنسان من شأنه وحاله والكاف مرفوع المحل تقديره دأب هؤلاء الكفرة كدأب من قبلهم من آل فرعون وغيرهم، ويجوز أن ينتصب محل الكاف بلن تغني أو بالوقود: أي لن تغني عنهم مثل ما لم تغن عن أولئك أو توقد بهم النار كما توقد بهم تقول إنك لتظلم الناس كدأب أبيك تريد كظلم أبيك ومثل ما كان يظلمهم وإن فلانا لمحارف كدأب أبيه تريد كما حورف أبوه (كذبوا بآياتنا) تفسير لدأبهم ما فعلوا وفعل بهم على أنه جواب سؤال مقدر عن حالهم (قل للذين كفروا) هم مشركو مكة (ستغلبون) يعني يوم بدر، وقيل هم اليهود لما غلب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر قالوا: هذا والله النبي الأمي الذي بشرنا به موسى وهموا باتباعه، فقال بعضهم لا تعجلوا حتى ننظر إلى وقعة أخرى، فلما كان يوم أحد شكوا. وقيل جمعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وقعة بدر في سوق بني قينقاع فقال: يا معشر اليهود احذروا مثل ما نزل بقريش وأسلموا قبل أن ينزل بكم ما نزل بهم فقد عرفتم أني نبي مرسل، فقالوا: لا يغرنك أنك لقيت قوما أغمارا لا علم لهم بالحرب فأصبت منهم فرصة، لئن قاتلتنا لعلمت أنا نحن الناس، فنزلت. وقرئ سيغلبون ويحشرون بالياء كقوله تعالى - قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم - على قل لهم قولي لك سيغلبون. فإن قلت: أي فرق بين القراءتين من حيث المعنى؟
(٤١٤)
مفاتيح البحث: آل فرعون (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 409 410 411 412 413 414 415 416 417 418 419 ... » »»