الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٣٩٨
للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس
____________________
كانت لهم أصهار في اليهود ورضاع، وقد كانوا ينفقون عليهم قبل الاسلام، فلما أسلموا كرهوا أن ينفقوهم.
وعن بعض العلماء لو كان شر خلق الله لكان لك ثواب نفقتك. واختلف في الواجب فجوز أبو حنيفة رضي الله عنه صرف صدقة الفطر إلى أهل الذمة وأباه غيره. الجار متعلق بمحذوف، والمعنى: اعمدوا للفقراء، أو اجعلوا ما تنفقون للفقراء كقوله تعالى في تسع آيات، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف: أي صدقاتكم للفقراء (والذين أحصروا في سبيل الله) هم الذين أحصرهم الجهاد (لا يستطيعون) لاشتغالهم به (ضربا في الأرض) للكسب، وقيل هم أصحاب الصفة وهم نحو أربعمائة رجل من مهاجري قريش لم يكن لهم مساكن في المدينة ولا عشائر فكانوا في صفة المسجد وهى سقيفته، يتعلمون القرآن بالليل ويرضخون النوى بالنهار، وكانوا يخرجون من كل سرية بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن كان عنده فضل أتاهم به إذا أمسى. وعن ابن عباس رضي الله عنهما (وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما على أصحاب الصفة فرأى فقرهم وجهدهم وطيب قلوبهم فقال: أبشروا يا أصحاب الصفة، فمن بقى من أمتي على النعت الذي أنتم عليه راضيا بما فيه فإنه من رفقائي في الجنة) (يحسبهم الجاهل) بحالهم (أغنياء من التعفف) مستغنين من أجل تعففهم عن المسألة (تعرفهم بسيماهم) من صفرة الوجه ورثاثة الحال. والالحاف الإلحاح وهو اللزوم: أن لا يفارق إلا لشئ يعطاه من قولهم لحفني من فضل لحافه: أي أعطاني من فضل ما عنده، وعن النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله تعالى يحب الحيى الحليم المتعفف، ويبغض البذي السآل الملحف) ومعناه: أنهم إن سألوا سألوا بتلطف ولم يلحوا. وقيل هو نفى للسؤال والالحاف جميعا كقوله * على لا حب لا يهتدى بمناره * يريد نفى المنار والاهتداء به (بالليل والنهار سرا وعلانية) يعمون الأوقات والأحوال بالصدقة لحرصهم على الخير، فكلما نزلت بهم حاجة محتاج عجلوا قضاءها ولم يؤخروه ولم يتعللوا بوقت ولا حال. وقيل نزلت في أبى بكر الصديق رضي الله عنه حين تصدق بأربعين ألف دينار عشرة بالليل وعشرة بالنهار وعشرة في السر وعشرة في العلانية. وعن ابن عباس رضي الله عنهما نزلت في علي رضي الله عنه لم يملك إلا أربعة دراهم فتصدق بدرهم ليلا وبدرهم نهارا وبدرهم سرا وبدرهم علانية. وقيل نزلت في علف الخيل وارتباطها في سبيل الله. وعن أبي هريرة رضي الله عنه كان إذا مر بفرس سمين قرأ هذه الآية (الربوا) كتب بالواو على لغة من يفخم كما كتبت الصلاة والزكاة وزيدت الألف بعدها تشبيها بواو الجمع (لا يقومون) إذا بعثوا من قبورهم (إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان) أي المصروع وتخبط الشيطان من زعمات العرب
(٣٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 393 394 395 396 397 398 399 400 401 402 403 ... » »»