الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٣٩٧
أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه وما للظالمين من أنصار إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون
____________________
(أو نذرتم من نذر) في طاعة الله أو في معصيته (فإن الله يعلمه) لا يخفى عليه وهو مجازيكم عليه (وما للظالمين) الذين يمنعون الصدقات أو ينفقون أموالهم في المعاصي أو لا يفون بالنذور أو ينذرون في المعاصي (من أنصار) ممن ينصرهم من الله ويمنعهم من عقابه. (ما) في نعما نكرة غير موصوله ولا موصوفة، ومعنى (فنعما هي) فنعم شيئا إبداؤها، وقرئ بكسر النون وفتحها (وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء) وتصيبوا بها مصارفها مع الاخفاء (فهو خير لكم) فالاخفاء خير لكم، والمراد الصدقات المتطوع بها فإن الأفضل في الفرائض أن يجاهر بها. وعن ابن عباس رضي الله عنهما: صدقات السر في التطوع تفضل علانيتها سبعين ضعفا، وصدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها بخمسة وعشرين ضعفا، وإنما كانت المجاهرة بالفرائض أفضل لنفى التهمة حتى إذا كان المزكى ممن لا يعرف باليسار كان إخفاؤه أفضل، والمتطوع إن أراد أن يقتدى به كان إظهاره أفضل. (ونكفر) قرئ بالنون مرفوعا عطفا على محل ما بعد الفاء أو على أنه خبر مبتدأ محذوف: أي ونحن نكفر أو على أنه جملة من فعل وفاعل مبتدأة ومجزوما عطفا على محل الفاء وما بعده لأنه جواب الشرط. وقرئ ويكفر بالياء مرفوعا والفعل لله أو للإخفاء، وتكفر بالتاء مرفوعا ومجزوما والفعل للصدقات. وقرأ الحسن رضي الله عنه بالياء والنصب بإضمار أن، ومعناه أن تخفوها يكن خيرا لكم وأن يكفر عنكم (ليس عليك هداهم) لا يجب عليك أن تجعلهم مهديين إلى الانتهاء عما نهوا عنه من المن والأذى والانفاق من الخبيث وغير ذلك، ما عليك إلا أن تبلغهم النواهي فحسب (ولكن الله يهدى من يشاء) يلطف بمن يعلم أن اللطف ينفع فيه فينتهى عما نهى عنه (وما تنفقوا من خير) من مال (فلأنفسكم) فهو لأنفسكم لا ينتفع به غيركم فلا تمنوا به على الناس ولا تؤذوهم بالتطاول عليهم (وما تنفقون) وليست نفقتكم إلا لابتغاء وجه الله ولطلب ما عنده فما بالكم تمنون بها وتنفقون الخبيث الذي لا يوجه مثله إلى الله (وما تنفقوا من خير يوف إليكم) ثوابه أضعافا مضاعفة فلا عذر لكم في أن ترغبوا عن إنفاقه وأن يكون على أحسن الوجوه وأجملها. وقيل حجت أسماء بنت أبي بكر فأتتها أمها تسألها وهى مشركة فأبت أن تعطيها فنزلت.
وعن سعيد بن جبير رضي الله عنه كانوا يتقون أن يرضخوا لقراباتهم من المشركين. وروى أن ناسا من المسلمين
(٣٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 392 393 394 395 396 397 398 399 400 401 402 ... » »»