الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٣٦٩
لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتخذوا آيات الله هزوا واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتقوا الله واعلموا أن الله بكل شئ عليم وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف ذلك يوعظ به من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر ذلكم أزكى لكم وأطهر والله يعلم وأنتم لا تعلمون والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين
____________________
انقضاء عدتها ثم يراجعها، لا عن حاجة ولكن ليطول العدة عليها فهو الامساك ضرارا (لتعتدوا) لتظلموهن وقيل لتلجئوهن إلى الافتداء (فقد ظلم نفسه) بتعريضها لعقاب الله (ولا تتخذوا آيات الله هزؤا) أي جدوا في الاخذ بها والعمل بما فيها وارعوها حق رعايتها وإلا فقد اتخذتموها هزؤا ولعبا، ويقال لمن لم يجد في الامر إنما أنت لاعب وهازئ، ويقال كن يهوديا وإلا فلا تلعب بالتوراة، وقيل كان الرجل يطلق ويعتق ويتزوج ويقول كنت لاعبا. وعن النبي صلى الله عليه وسلم (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: الطلاق، والنكاح، والرجعة).
(واذكروا نعمة الله عليكم) بالاسلام وبنبوة محمد صلى الله عليه وسلم (وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة) من القرآن والسنة. وذكرها: مقابلتها بالشكر والقيام بحقها (يعظكم به) بما أنزل عليكم (فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن) إما أن يخاطب به الأزواج الذين يعضلون نساءهم بعد انقضاء العدة ظلما وقسرا ولحمية الجاهلية لا يتركوهن يتزوجن من شئن من الأزواج، والمعنى: أن ينكحن أزواجهن الذين يرغبن فيهم ويصلحون لهم، وإما أن يخاطب به الأولياء في عضلهن أن يرجعن إلى أزواجهن. روى أنها نزلت في معقل بن يسار حين عضل أخته أن ترجع إلى الزوج الأول. وقيل في جابر بن عبد الله حين عضل بنت عم له، والوجه أن يكون خطابا للناس: أي لا يوجد فيما بينكم عضل، لأنه إذا وجد بينهم وهم راضون كانوا في حكم العاضلين، والعضل الحبس والتضييق، ومنه عضلت الدجاجة: إذا نشب بيضها فلم يخرج، وأنشد لابن هرمة:
وإن قصائدي لك فاصطنعني عقائل قد عضلن عن النكاح وبلوغ الاجل على الحقيقة. وعن الشافعي رحمه الله دل سياق الكلامين على افتراق البلوغين (إذا تراضوا) إذا تراضى الخطاب والنساء (بالمعروف) بما يحسن في الدين والمروءة من الشرائط، وقيل بمهر المثل. ومن مذهب أبي حنيفة رحمه الله أنها إذا زوجت نفسها بأقل من مهر مثلها فللأولياء أن يتعرضوا. فان قلت: لمن الخطاب في قوله (ذلك يوعظ به) قلت: يجوز أن يكون لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولكل أحد ونحوه، ذلك خير لكم وأطهر (أزكى لكم وأطهر) من أدناس الآثام، وقيل أزكى وأطهر أفضل وأطيب (والله يعلم) ما في ذلك من الزكاء والطهر (وأنتم لا تعلمون) ه، أو والله يعلم ما تستصلحون به من الاحكام والشرائع وأنتم تجهلونه (يرضعن) مثل يتربصن في أنه خبر في معنى الامر المؤكد (كاملين) توكيد كقوله - تلك عشرة كاملة - لأنه مما يتسامح فيه
(٣٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 364 365 366 367 368 369 370 371 372 373 374 ... » »»