الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٣٧١
لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير
____________________
أي لا تضر والدة بولدها فلا تسئ غذائه وتعهده، ولا تفرط فيما ينبغي له ولا تدفعه إلى الأب بعد ما ألفها. ولا يضر الوالد به بأن ينتزعه من يدها أو يقصر في حقها فتقصر هي في حق الولد. فان قلت: كيف قيل بولدها وبولده؟
قلت: لما نهيت المرأة عن المضارة أضيف إليها الولد استعطافا لها عليه وأنه ليس بأجنبي منها فمن حقها أن تشفق عليه وكذلك الوالد (وعلى الوارث) عطف على قوله - وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن - وما بينهما تفسير للمعروف معترض بين المعطوف والمعطوف عليه، فكان المعنى: وعلى وارث المولود له مثل ما وجب عليه من الرزق والكسوة: أي إن ما ت المولود له لزم من يرثه أن يقوم مقامه في أن يرزقها ويكسوها بالشريطة التي ذكرت من المعروف وتجنب الضرار. وقيل هو وارث الصبى الذي لو مات الصبى ورثه. واختلفوا، فعند ابن أبي ليلى كل من ورثه، وعند أبي حنيفة من كان ذا رحم محرم منه. وعند الشافعي لا نفقة فيما عدا الولاد، وقيل من ورثه من عصبته مثل الجد والأخ وابن الأخ والعم وابن العم، وقيل المراد وارث الأب وهو الصبى نفسه، وأنه إن مات أبوه وورثه وجبت عليه أجرة رضاعه في ماله إن كان له مال، فإن لم يكن له مال أجبرت الام على إرضاعه، وقيل على الوارث على الباقي من الأبوين من قوله (واجعله الوارث منا) (فإن أرادا فصالا) صادرا (عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما) في ذلك زادا على الحولين أو نقصا وهذه توسعة بعد التحديد، وقيل هو في غاية الحولين لا يتجاوز، وإنما اعتبر تراضيهما في الفصال وتشاورهما. أما الأب فلا كلام فيه، وأما الام فلأنها أحق بالتربية وهى أعلم بحال الصبى. وقرئ فإن أراد. استرضع منقول من أرضع، يقال: أرضعت المرأة الصبى واسترضعها الصبى لتعديه إلى مفعولين كما تقول: أنجح الحاجة واستنجحته الحاجة، والمعنى: أن تسترضعوا المراضع أولادكم فحذف أحد المفعولين للاستغناء عنه كما تقول: استنجحت الحاجة ولا تذكر من استنجحته، وكذلك حكم كل مفعولين لم يكن أحدهما عبارة عن الأول (إذا سلمتم) إلى المراضع (ما آتيتم) ما أردتم إيتاءه كقوله تعالى - إذا قمتم إلى الصلاة - وقرئ ما أتيتم من أتى إليه إحسانا: إذا فعله، ومنه قوله تعالى - إنه كان وعده مأتيا - أي مفعولا. وروى شيبان عن عاصم ما أوتيتم: أي ما آتاكم الله وأقدركم عليه من الأجرة ونحوه - وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه - وليس التسليم بشرط للجواز والصحة وإنما هو ندب إلى الأولى. ويجوز أن يكون بعثا على أن يكون الشئ الذي تعطاه المرضع من أهنى ما يكون لتكون طيبة النفس راضية، فيعود ذلك إصلاحا لشأن الصبى واحتياطا في أمره، فأمرنا بإيتائه ناجزا يدا بيد كأنه قيل: إذا أديتم إليهن يدا بيد ما أعطيتموهن (بالمعروف) متعلق بسلمتم، أمروا أن يكونوا عند تسليم الأجرة مستبشري الوجوه ناطقين بالقول الجميل مطيبين
(٣٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 366 367 368 369 370 371 372 373 374 375 376 ... » »»