الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٣٦٣
لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم والله غفور حليم للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر
____________________
قلت: بالفعل أي ولا تجعلوا الله لأيمانكم برزخا وحجازا، ويجوز أن يتعلق بعرضة لما فيها من معنى الاعتراض، بمعنى لا تجعلوا شيئا يعترض البر من اعتراضي كذا. ويجوز أن يكون اللام للتعليل ويتعلق أن تبروا بالفعل أو بالعرضة: أي ولا تجعلوا الله لأجل أيمانكم به عرضة لان تبروا، ومعناها على الأخرى: ولا تجعلوا الله معرضا لأيمانكم فتبذلوه بكثرة الحلف به ولذلك ذم من أنزل فيه - ولا تطع كل حلاف مهين - بأشنع المذام وجعل الحلاف مقدمتها، وأن تبروا علة للنهي. أي إرادة أن تبروا وتتقوا وتصلحوا لأن الحلاف مجترئ على الله غير معظم له، فلا يكون برا متقيا ولا يثق به الناس، فلا يدخلونه في وساطتهم وإصلاح ذات بينهم. واللغو: الساقط الذي لا يعتد به من كلام وغيره، ولذلك قيل لما لا يعتد به في الدية من أولاد الإبل لغو،، واللغو من اليمين: الساقط الذي لا يعتد به في الأيمان وهو الذي لا عقد معه. والدليل عليه ولكن لا يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان، بما كسبت قلوبكم.
واختلف الفقهاء فيه، فعند أبي حنيفة وأصحابه هو أن يحلف على الشئ يظنه على ما حلف عليه ثم يظهر خلافه، وعند الشافعي هو قول العرب لا والله وبلى والله مما يؤكدون به كلامهم ولا يخطر ببالهم الحلف، ولو قيل لواحد منهم سمعتك اليوم تحلف في المسجد الحرام لأنكر ذلك، ولعله قال لا والله ألف مرة، وفيه معنيان: أحدهما لا يؤاخذكم: أي لا يعاقبكم بلغو اليمين الذي يحلفه أحدكم بالظن ولكن يعاقبكم بما كسبت قلوبكم: أي اقترفته من إثم القصد إلى الكذب في اليمين وهو أن يحلف على ما يعلم أنه خلاف ما يقوله وهى اليمين الغموس، والثاني لا يؤاخذكم: أي لا يلزمكم الكفارة بلغو اليمين الذي لا قصد معه، ولكن يلزمكم الكفارة بما كسبت قلوبكم: أي بما نوت قلوبكم وقصدت من الايمان ولم يكن كسب اللسان وحده (والله غفور حليم) حيث لم يؤاخذكم باللغو في أيمانكم. قرأ عبد الله آلوا من نسائهم. وقرأ ابن عباس يقسمون من نسائهم. فان قلت: كيف عدى بمن وهو معدى بعلى؟ قلت: قد ضمن في هذا القسم المخصوص معنى البعد، فكأنه قيل يبعدون من نسائهم مؤلين أو مقسمين، ويجوز أن يراد لهم (من نسائهم تربص أربعة أشهر) كقوله لي منك كذا. والإيلاء من المرأة أن يقول:
والله لا أقربك أربعة أشهر فصاعدا على التقييد بالأشهر، أو لا أقربك على الإطلاق، ولا يكون فيما دون أربعة أشهر إلا ما يحكى عن إبراهيم النخعي، وحكم ذلك أنه إذا فاء إليها في المدة بالوطء إن أمكنه أو بالقول إن عجز صح الفئ وحنث القادر ولزمته كفارة اليمين، ولا كفارة عن العاجز وإن مضت الأبعة بانت بتطليقة عند أبي حنيفة، وعند الشافعي لا يصح الإيلاء إلا في أكثر من أربعة أشهر ثم يوقف المولى، فإما أن يفئ وإما أن
(٣٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 358 359 360 361 362 363 364 365 366 367 368 ... » »»