الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٢٨٥
وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم
____________________
وقيل الثوم ويدل عليه قراءة ابن مسعود وثومها وهو للعدس والبصل أوفق (الذي هو أدنى) الذي هو أقرب منزلة وأدون مقدارا والدنو والقرب يعبر بهما عن قلة المقدار فيقال هو دانى المحل وقريب المنزلة كما يعبر بالبعد عن عكس ذلك فيقال هو بعيد المحل وبعيد الهمة يريدون الرفعة والعلو وقرأ زهير الفرقبي أدنأ بالهمزة من الدناءة (اهبطوا مصرا) وقرئ اهبطوا بالضم أي انحدورا إليه من التيه يقال هبط الوادي إذا نزل به وهبط منه إذا خرج وبلاد التيه ما بين المقدس إلى قنسرين وهى اثنا عشر فرسخا في ثمانية فراسخ ويحتمل أن يريد العلم وإنما صرفه مع اجتماع السببين فيه وهما التعريف والتأنيث لسكون وسطه كقوله ونوحا ولوطا وفيهما العجمة والتعريف وإن أريد به البلد فما فيه إلا سبب واحد وأن يريد مصرا من الأمصار وفى مصحف عبد الله وقرأ به الأعمش " اهبطوا " مصر بغير تنوين كقوله - ادخلوا مصر - وقيل هو مصرائيم فعرب (وضربت عليهم الذلة) جعلت الذلة محيطة بهم مشتملة عليهم فهم فيها كما يكون في القبة من ضربت عليه أو ألصقت بهم حتى لزمتهم ضربة لازب كما يضرب الطين على الحائط فيلزمه فاليهود صاغرون أذلاء أهل مسكنة ومدقعة إما على الحقيقة وإما لتصاغرهم وتفارقهم خيفة أن تضاعف عليهم الجزية (وباؤا بغضب من الله) من قولك باء فلان بفلان إذا كان حقيقا بأن يقتل به لمساواته له ومكافأته أي صاروا أحقاء بغضبه (ذلك) إشارة إلى ما تقدم من ضرب الذلة والمسكنة والخلافة بالغضب أي ذلك بسبب كفرهم وقتلهم الأنبياء وقد قتلت اليهود لعنوا شعيا وزكريا ويحيى وغيرهم فإن قلت: قتل الأنبياء لا يكون إلا بغير حق فما فائدة ذكره؟ قلت: معناه أنهم قتلوهم بغير الحق عندهم لأنهم لم يقتلوا ولا أفسدوا في الأرض فيقتلوا وإنما نصحوهم ودعوهم إلى ما ينفعهم فقتلوهم فلو سئلوا وأنصفوا من أنفسهم لم يذكروا وجها يستحقون به القتل عندهم وقرأ علي رضي الله عنه ويقتلون بالتشديد (ذلك) تكرار للإشارة (بما عصوا) بسبب ارتكابهم أنواع المعاصي واعتدائهم حدود الله في كل شئ مع كفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء وقيل هو اعتداؤهم في السبت ويجوز أن يشار بذلك إلى الكفر وقتل الأنبياء على معنى أن ذلك بسبب عصيانهم واعتدائهم لأنهم انهمكوا فيهما وغلوا حتى قست قلوبهم فجسروا على جحود الآيات وقتل الأنبياء، أو ذلك الكفر والقتل مع ما عصوا (إن الذين آمنوا) بألسنتهم من غير مواطأة القلوب وهم المنافقون (والذين هادوا) والذين تهودوا يقال هاد يهود وتهود إذا دخل اليهودية وهو هائد والجمع هود (والنصارى) وهو جمع نصران يقال رجل نصران وامرأة نصرانة قال: نصرانة لم تحنف. والياء في نصراني للمبالغة كالتي في أحمرى سموا لأنهم نصروا المسيح (والصابئين) وهو من صبأ إذا خرج من الدين وهم قوم عدلوا عن دين اليهودية والنصرانية وعبدوا الملائكة (من آمن) من هؤلاء الكفرة إيمانا خالصا ودخل في ملة الإسلام دخولا
(٢٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 280 281 282 283 284 285 286 287 288 289 290 ... » »»