فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين. وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا أتتخذنا هزؤا قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين.
____________________
أصيلا (وعمل صلاحا فلهم أجرهم) الذي يستوجبونه بإيمانهم وعملهم. فإن قلت: ما محل من آمن؟ قلت: الرفع إن جعلته مبتدأ خبره فلهم أجرهم والنصب إن جعلته بدلا من اسم إن والمعطوف عليه، فخبر إن في الوجه الأول الجملة كما هي، وفى الثاني فلهم أجرهم والفاء لتضمن من معنى الشرط (وإذ أخذنا ميثاقكم) بالعمل على ما في التوراة (ورفعنا فوقكم الطور) حتى قبلتم وأعطيتم الميثاق، وذلك أن موسى عليه السلام جاءهم بالألواح فرأوا ما فيها من الآصار والتكاليف الشاقة فكبرت عليهم وأبوا قبولها، فأمر جبريل فقلع الطور من أصله ورفعه وظلله فوقهم وقال لهم موسى: إن قبلتم وإلا ألقى عليكم حتى قبلوا (خذوا) على إرادة القول (ما آتيناكم) من الكتاب (بقوة) بجد وعزيمة (واذكروا ما فيه) واحفظوا ما في الكتاب وادرسوه ولا تنسوه ولا تغفلوا عنه (لعلكم تتقون) رجاء منكم أن تكونوا متقين، أو قلنا: خذوا واذكروا إرادة أن تتقوا (ثم توليتم) ثم أعرضتم عن الميثاق والوفاء به (فلولا فضل الله عليكم) بتوفيقكم للتوبة لخسرتم. وقرئ خذوا ما آتيتكم وتذكروا واذكروا، و (السبت) مصدر سبتت اليهود إذا عظمت يوم السبت، وإن ناسا منهم اعتدوا فيه: أي جاوزوا ما حد لهم فيه من التجرد للعبادة وتعظيمه واشتغلوا بالصيد، وذلك أن الله ابتلاهم فما كان يبقى حوت في البحر إلا أخرج خرطومه يوم السبت، فإذا مضى تفرقت كما قال - تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم - فحفروا حياضا عند البحر وشرعوا إليها الجداول، فكانت الحيتان تدخلها فيصطادونها يوم الأحد، فذلك الحبس في الحياض هو اعتداؤهم (قردة خاسئين) خبر إن: أي كونوا جامعين بين القردية والخسوء وهو الصغار والطرد (فجعلناها) يعنى المسخة (نكالا) عبرة تنكل من اعتبر بها: أي تمنعه، ومنه النكل القيد (لما بين يديها) لما قبلها (وما خلفها) وما بعدها من الأمم والقرون لأن مسختهم ذكرت في كتب الأولين فاعتبروا بها واعتبر بها من بلغتهم من الآخرين، أو أريد بما بين يديها ما بحضرتها من القرى والأمم، وقيل نكالا عقوبة منكلة لما بين يديها لأجل ما تقدمها من ذنوبهم وما تأخر منها (وموعظة للمتقين) للذين نهوهم عن الاعتداء من صالحي قومهم أو لكل متق سمعها. كان في بني إسرائيل شيخ موسر فقتل ابنه بنو أخيه ليرثوه، وطرحوه على باب مدينة ثم جاءوا يطالبون بديته، فأمرهم الله أن يذبحوا بقرة ويضربوه ببعضها ليحيا فيخبرهم بقاتله (قالوا أتتخذنا هزؤا) أجعلنا مكان هزؤا أو أهل هزوء ومهزوا بنا أو الهزو نفسه لفرط الاستهزاء (من الجاهلين) لأن الهزو في مثل هذا من