الحاشية على الكشاف - الشريف الجرجاني - الصفحة ١٩٩
المحذوف أو على الحذف تعليل لأمن الإلباس وذلك الدال هو أن كلمة لما تقتضى جوابا في ذهب الله بنورهم مانع فإن سياق الكلام في التمثيل لذم المنافقين بأنهم بعد انتفاعهم بضياء كلمة الإسلام واقعون في ظلمة النفاق التي ترمى بهم إلى ظلمة العقاب السرمدية فلا بد من اعتبار الخمود ليصح التشبيه ويحصل الغرض وإلى الثاني بقوله وكان الحذف أولى، إذ فيه فائدتان الايجاز والمبالغة في سوء حال المستوقد بإبهام أن الجواب مما تقصر العبارة عنه. ولم يرد بما أشار إلى تقديره أن الجواب مقتصر عليه، بل نبه به على أنه من جنسه، وجمع الضمائر في بقوا وما بعده نطرا إلى أن إيقاد النار في الأغلب إنما يكون للجماعة وإشارة إلى أن حمل الذي استوقد على الجمع أولى لما نبهت عليه (قوله وكان الحذف) عطف على إنما جاز لا على جواز يرشدك إليه سلامة الفطرة (والإعراب) الإفصاح والكشف أبلغ من اللفظ أي من التلفظ فإنه أنسب بالحذف (والكدح) جهد النفس في العمل مستفاد من سين استوقد هذا وقد قيل جعل ذهب الله جوابا أولى لعدم الاستطالة ولأن كونه من تتمة التمثيل الأول يوجب مطابقته للتمثيل الثاني لاشتماله على مبالغات ومن دأب البليغ أن يبالغ في المشبه به ليلزم منه المبالغة في المشبه ضمنا والحمل على الاستئناف ضعيف لأن السبب في تشبيه حالهم قد علم مما سبق فلا معنى للسؤال عن وجه الشبه أو تعيين المشبه وجعله بدلا من جملة التمثيل يدل على أن المذكور لفظا أو في بتأدية الغرض مما حذف لقصور العبارة عنه وهو باطل نعم لو قيل ذهب الله ابتداء كلام لبيان حال المشبه لم يكن بعيدا ولعل ما ذكره المصنف من نكتة الحذف ليس إيثار له بل إيناسا به وإزالة لاستبعاده فالوجه هو الأول وسيرد عليك من كلامه ما يشعر به وأجيب بأن الحذف لما كان أبلغ كانت المبالغة في المشبه أكثر والتطابق بين التمثيلين أوفر وأيضا إذهاب النور وتركهم في ظلمات يدل على أنه كان لهم نور فزال وصاروا متحيرين خابطين فتكون المبالغة في الطرفين معا أما في المشبه به فبالحذف وأما في المشبه فباللفظ وهذا أوفى بتأدية الغرض الذي هو بيان حال المنافقين (قوله كلاما مستأنفا) أي جوابا للسؤال عن وجه الشبه فإن مشاركة حال المنافق لحال المستوقد في المعاني المذكورة ليست بظاهرة وقد عرفت ما فيه (قوله بحال المستوقد الذي طفئت ناره) فيه تنبيه على أن الشرطية أعني فلما أضاءت مع جوابه المحذوف معطوفة على الصلة فيكون المستوقد موصوفا بمضمون ذلك الجواب وقوله (على سبيل البيان) إشارة إلى أن الأول ليس في حكم الساقط الذي صرف عنه القصد (قوله قد رجع الضمير في هذا الوجه) أراد به الوجه الثاني وهو أن يجعل جواب لما محذوفا وذهب الله استئنافا أو بدلا بناء على قربه وسوق الكلام فيه وأراد بالوجه الثاني ما ذكره أولا فإنه إذا ابتدأ بالوجه الأخير كان أول الوجهين ثابتا له والمقصود بيان إزالة المانع اللفظي وخص توحيد الضمير فيما حوله بالذكر لأنه أقرب إلى
(١٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 ... » »»