على اشتراء الضلالة بالهدى أولى كما يرشدك إليه تأملك (قوله لما جاء) أي لما بين بقوله - ومن الناس من يقول آمنا - إلى ههنا حقيقة صفة المنافقين، أراد أن يكشف عنها كشفا تاما ويبرزها في معرض المحسوس المشاهد فعقبها بضرب المثل مبالغة في البيان والأمثال جمع مثل والمراد ههنا ما هو أعم من القول السائر الذي سيذكر كما في قوله تعالى - وتلك الأمثال نضربها للناس - وقول المصنف: ومن سور الإنجيل سورة الأمثال والمثل جمع المثال فإنه يجمع على أمثلة ومثل يقال بكته بالحجة أي غلبه وقمعه أي قهره وأذله (والسورة) الحدة والوثبة (ثم قيل) أي ثم نقل من معناه اللغوي إلى معنى آخر عرفي يتفرع عليه معنى ثالث مجازى كما سيذكره والسائر هو الفاشي، ويعتبر فيه مع الفشو أن يكون تشبيها تمثيليا على سبيل الاستعارة وإنما سمى مثلا لأنه جعل مضربه وهو ما يضرب فيه ثانيا مثلا لمورده وهو ما ورد فيه أولا (قوله ومن ثمة حوفظ عليه وحمى من التغيير) فإنه لو غير لربما انتفى الدلالة على ذلك الغرابة والأظهر كما في المفتاح أن المحافظة على المثل إنما هي بسبب كونه استعارة فوجب لذلك أن يكون هو بعينه لفظ المشبه به فإن وقع تغيير لم يكن مثلا بل مأخوذا منه وإشارة إليه كما في قولك الصيف ضيعت اللبن بالتذكير (قوله ما معنى مثلهم) يريد قد ذكرت للمثل معنى لغويا ومعنى عرفيا وشئ منهما لا يناسب المقام فما المعنى المراد بالمثلين حتى شبه أحدهما بالآخر فقوله (وما مثل المنافقين) عطف تفسيري، وقيل سأل أولا عن معنى المثل ومفهومه وثانيا عن الأمر الذي يصدق عليه ذلك المفهوم في جانبي المشبه والمشبه به وأجاب بما يفيد الأول صريحا والثاني ضمنا وما ذكرناه ألصق بعبارة الكتاب وقوله (إذا كان لها شأن وفيها غرابة) إشارة إلى العلاقة المجوزة للاستعارة وهى الاشتراك في الغرابة وعظم الشأن وكلمة إذا ظرف لقوله أستعير وقد تجردت عن الشرطية لمعنى الوقت فيصح وقوعها معمولا لماض محقق كما هو حق كلمة إذ وقيل لفظة كان لقوة دلالتها على المضي لا تنقلب إلى الاستقبال بدخول إن التي هي أعرق الكلمات في الشرطية فضلا
(١٩٥)