الحاشية على الكشاف - الشريف الجرجاني - الصفحة ٢١٠
بدين الإسلام الذي فيه حياة القلوب لكن على وجه النفاق، فيكابدون لذكل أفزاعا وبلايا فما لهم بالنسبة إليه كحال القوم بالقياس إلى الصيب، وإليه الإشارة بقوله (والمراد كمثل قوم أصابتهم السماء على هذه الصفة) وهى أن أصابهم مطر هطال فيه ظلمات شديدة ورعد قاصف وبرق خاطف وصواعق مهلكة (فلقوا) من الخوف والمشقة والدهشة (مالقوا) (قوله فإن قلت: هذا) أي تشبيه أحوال المنافقين بأحوال المستوقد أو أحوال ذوي الصيب على التفريق (تشبيه أشياء بأشياء فأين ذكر المشبهات) مع أن الأمور المشبه بها مذكورة صريحا (وهلا صرح) بذكرها أيضا (قوله وما يستوى الأعمى) فيه نشر على خلاف ترتيب اللف حيث شبه المؤمن الصالح بالبصير والمسئ بالأعمى (وفى قول امرئ القيس) نشر على ترتيبه، و (رطبا ويابسا) حال من القلوب: أي رطبا بعضها ويابسا بعضها والعامل فيها (كأن) وكذا (لدى وكرها) حال منها شبه رطب القلوب بالعناب ويابسها بالحشف وهو أردأ التمر اليابس البالي، يصف عقابا كثيرة الاصطياد فإنها لا تأكل قلب الطير (قوله فقد جاء مطويا ذكره على سنن الاستعارة) يريد أن طريق الاستعارة أن يطوى ذكر المشبه قطعا ويجعل الكلام خلوا عنه فلا يكون مذكورا لفظا ولا مقدرا في نظم الكلام، وأما التشبيه فقد يطوى فيه ذكره أيضا كذلك. والفرق بينهما حينئذ من وجهين:
الأول أن المتروك في التشبيه منوى مراد، وفى الاستعارة منسى بالكلية، ومن ههنا ينكشف لك ما قررناه في الاستعارة التمثيلية في نحو - ختم الله على قلوبهم - من أن المعاني قد يقصد إليها بألفاظ منوية غير مقدرة في نظم العبارة فتبصر. الثاني وهو العمدة أن لفظ المشبه به في التشبيه مستعمل في معناه الحقيقي، وفى الاستعارة مستعمل في معنى المشبه، حتى لو أقيم اسم المشبه مقامه صح المرام، ولا يفوت إلا المبالغة المستفادة من التشبيه والاستعارة، ومن البين أن قوله (وما يستوى البحران) من قبيل التشبيه إذ لم يرد بالبحرين إلا معناه الحقيقي، يدل على ذلك قوله هذا عذب فرات سائغ شرابه - إلى قوله - وترى الفلك فيه مواخر - إذ المقصود تشبيه الإسلام والكفر بهذين البحرين الموصوفين: أي لا يستوى الإسلام والكفر اللذان هما كالبحرين المذكورين، ومن زعم أنه من قبيل الاستعارة فقد خالف ما تقتضيه سلامة الفطرة، وكذا الحال في قوله (ضرب الله مثلا) إذ معناه: أن الله تعالى جعل عبدا مشتركا بين متشاكسين مثلا لعابد الصنم، وجعل عبدا خالصا لمالك واحد مثلا للموحد، فكل واحد من رجلا ورجلا مستعمل في معناه الحقيقي لا في المشرك والموحد كما لا يخفى على ذي إدراك، فذكر المشبه في الآيتين مطوى. فإن قلت: كيف يقدر فيهما. قلت: هو منوى في الإرادة فلا حاجة إلى تقديره، وإذا قدر فربما انتظم
(٢١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 ... » »»