الحاشية على الكشاف - الشريف الجرجاني - الصفحة ٢٠٢
(قوله فيم شبهت) هذا سؤال عن وجه الشبه كأنه قيل: في أي معنى قصد اشتراك طرفي التشبيه: أعني حال المنافقين وحال المستوقد. وقيل سؤال عن تعيين المشبه: أي في أي حال من الأحوال الكثيرة للمنافقين وقع التشبيه بحال المستوقد؟ وعبارة الكتاب أبية عنه إذ بصير معناه حينئذ: في أي حال شبهت حالهم بحال المستوقد (في أنهم) أي المنافقين أو المستوقد والمنافقين معا، وفى قوله (غب الإضاءة) أي بعدها وعلى أثرها إشارة إلى أن وجه الشبه مركب في نفسه ملتئم من عدة معان على وجه يؤذن بتركب طرفيه أيضا، وقوله (وتورطوا في حيرة) معطوف على خبطوا في ظلمة تفسير له، وفيه تنبيه على أن المقصود من الإضاءة ما يقابل الوقوع في الحيرة، فكأنه قال:
وجه الشبه هو أنهم عقيب حصول تباشير المقصود وقوة الرجاء وقعوا في حيرة الحرمان والخيبة، وهذا معنى يشترك فيه المشبه والمشبه به قطعا، إلا أنه راعى موافقة نظم الآية فعبر عن الجزء الأول بالإضاءة وعن الثاني بالخبط في الظلمة مع تفسيره بما يعلم منه وجه الشبه المشترك بين الطرفين كما نبهت عليه، فسقط ما يقال إن الإضاءة وكذا الوقوع في الظلمة إن حملت على الحقيقة اختصت بالمستوقد وإن حملت على المجاز اختصت بالمنافق. فإن قلت: كما أن الإضاءة الحقيقية مفقودة في حال المنافق، كذلك الخبط في الظلمة الحقيقية، فلماذا خص السؤال بالإضاءة؟
قلت: إطلاق الظلمة على الكفر مجاز مشهور، ألا ترى إلى قوله (إلا حائر خابط في ظلماء الكفر) وقد وجد في المنافق الظلمة ببعض معانيها بخلاف الإضاءة إذ لم يوجد فيه معناها الحقيقي ولم يظهر لها معنى مجازى فاحتيج إلى السؤال. وأجاب بأن المراد من الاستضاءة هو الانتفاع بإجرائهم الكلمة على ألسنتهم من حيث متاركتهم عن المحاربة وإعطاؤهم الخظوظ من المغانم إلى غير ذلك، وأراد أن تقع الكلمة ههنا قائمة مقام الإضاءة في المستوقد، وليس شئ منهما بخصوصه معتبرا في التشبيه، بل ما يلزمهما من ظهور أوائل المقصود ومخايل جمال المحبوب، وكذا الحال في ظلمتى المستوقد والمنافق، فإن المعتبر فيه ما يلزمهما من الحيرة والحرمان كما عرفت، وقوله (وراء استضاءتهم بنور هذه الكلمة ظلمة النفاق) ناظر إلى معنى قوله غب الإضاءة خبطوا في ظلمة. وفيه أيضا إشارة إلى تركب وجه الشبه وأنه منتزع من أمور متعددة في المشبه. وأما انتزاعه من متعدد في المشبه به فمما لا شبهة فيه، فقد أشار إلى أنه من التشبيهات المركبة كما هو المختار عنده في التمثيلين على ما سيأتي، ولا يخلو كلامه من تلويح إلى جواز التفريق في هذا التشبيه، فإن قوله المراد ما استضاءوا به قليلا من الانتفاع يفهم منه جواز تشبيه الأجزاء بالأجزاء. وتلخيص ما قررناه أنه اعتبر في المستوقد السعي في إيقاد النار والكدح في إحيائها وحصول طرف من الإضاءة المطلوبة وزوالها بإطفاء النار بغتة كما تدل عليه كلمة فلما، واعتبر في المنافق القصد إلى ادعاء الإيمان وإجراء الكلمة على اللسان وحصول منافع الأمن والأمان وانتفاء ذلك دفعة بالموت ووقوعهم في ظلمات متراكمة فإن لوحظ في كل واحد من الجانبين هيئة وحدانية ملتئمة من تلك المعاني المتعددة كان تشبيها مركبا ووجهه
(٢٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 ... » »»