ترشيحا لتينك الاستعارتين لا باعتبار المعنى المقصود بهما: بل باعتبار لفظهما ومعناهما الأصل، يقال عز: أي غلب، وجاش: اضطرب. وقوله لما شبه الشيب بالنسر يدلك على فساد ما توهم من أن قوله جعلوه كالحمار تصريح بأنه تشبيه كما تقتضيه لفظة كأن فتأمل (قوله فتاكهم) الفتاك جمع فاتك: وهو الجرئ بلا مبالاة، والمقصود بنفي عملها بأخلاق الكرام أنها تجاوزت حد الإدلال والكريم لا يدل إلا إدلالا لطيفا. قصع اليربوع:
أي دخل في قاصعائه. وقصع الشيطان في قفاه ساء خلف وغضب، و نفق اليربوع: أي خرج من نافقائه، وتنفقته: أي أخرجته منها، استعار التقصيع أولا لجردها وإساءة خلقها، ثم ضم إليه التنفق مستعارا للاجتهاد في إزالة غضبها وإماطة ما يسوء من خلقها، ثم جعل التؤام مستعارا لسبب قوى يتوصل به إلى تلك الإزالة، فهاتان الاستعارتان تابعتان للأولى ومرشحتان لها باعتبار لفظهما، و أصل المعنى كما سلف آنفا، إلا أن ههنا شيئا وهو أنه لولا استعارة التقصيع أولا لم تصح استعارة التنفق، وأما الحبل التؤام فظاهر أنه من تتمة الثاني وتابع له (قوله تمثيلا لخسارهم) أي المقصود الأصلي من الترشيح في الآية تصوير ما فاتهم من فوائد الهدى بصورة خسارة التجارة كأنه هو بعينه، مبالغة في تخسيرهم بهذا الاستبدال ووقوعهم به في حقيقة الخسارة الذي يتحاشى عنه أولو الأبصار لا تصوير الاستبدال بصورة التجارة، فإنه وسيلة إلى ذلك المقصود (قوله ما معنى قوله فما ربحت) يريد أنه عطف بالواو عدم اهتدائهم على انتفاء ربح تجارتهم ورتبا معا بالفاء على اشتراء الضلالة بالهدى فما وجه الجمع بينهما مع ذلك الترتيب، على أن عدم الاهتداء قد فهم من استبدال الضلالة بالهدى فيكون تكرارا لما مضى.
والجواب أن رأس مالهم هو الهدى، فلما استبدلوا به ما يضادوه ولا يجامعه أصلا انتفى رأس المال بالكلية (وحين لم يبق في أيديهم إلا) ذلك الضد أعني (الضلالة) وصفوا بانتفاء الربح والخسارة (لأن الضال) في دينه (خاسر دامر) أي هالك، وإن أصاب فوائد دنيوية، ولأن من لم يسلم له رأس ماله لم يوصف بالربح، بل بانتفائه أضاعوا سلامة رأس المال بالاستبدال وترتب على ذلك إضاعة الربح، وأما قوله (وما كانوا مهتدين) فليس معناه عدم اهتدائهم في الدين فيكون تكرارا لما سبق بل لما وصفوا بالخسارة في هذه التجارة أشير إلى عدم اهتدائهم لطرق التجارة كما يهتدى إليه التجار البصراء بالأمور التي يربح فيها ويخسر فهذا راجع إلى الترشيح، لكن عطفه