أو بفتحها موضعا، ولا فرق بين البنا والبنا ضما وكسرا كمفرديهما على وزن غرفة وحرفة، وقد يفرق بأن المضموم مستعمل في المكارم والمعانى والمكسور في الأبنية (بنيت): أي تلك المشاعر (عليها) أي تلك البنا وقد عد آلة النطق من الحواس والمشاعر تغليبا (أذنوا) أصغوا إليه واستمعوا، و (أصم) أفعل صفة ضمن معنى الذهول والإعراض فعدى بعن (سميع) أي لما سره وأسمع أفعل تفضيل، و (أصممت عمرا وأعميته) أي وجدته أصم وأعمى (قوله كيف طريقته) يريد أن قولك جعلوا كأنما إيفت مشاعرهم يدل على ابتناء هذا الكلام على التشبيه الذي له أساليب في علم البيان، فبين لنا أنه على أي أسلوب منها، فذكر أنه من أسلوب حمل المشبه به على المشبه مع حذف الأدلة ووجه الشبه. ولما لم يتبين بعد أن ما في الآية تشبيه أو استعارة أورد جريان الاستعارة في الأسماء والصفات والأفعال فعلم منه أن التشبيه الذي هو مبنى الاستعارة جار فيها، ألا ترى أن كل ما تجرى فيه الاستعارة يجرى فيه التشبيه كليا ولا ينعكس كليا، وإنما لم يذكر الحروف وإن جرى فيها الاستعارة تبعا كما في الصفات والأفعال، لأن هذه الطريقة وهى أن يكون المشبه به مذكورا بلفظ الحروف محمولا على المشبه لا يتصور فيها (قوله دجا الإسلام) أي قوى وكثف كجسم له ظل (قوله وأضاء الحق) أي ظهر ظهورا تاما كالشمس (قوله على تسميته تشبيها بليغا) حيث حمل المشبه به على المشبه كأنه هو بعينه (لأن المستعار له مذكور وهم المنافقون) إذ تقدير الآية هم صم فالمستعار له مذكور بلفظه تقديرا مع لفظ المستعار منه، فيكون لفظ المستعار منه مستعملا في معناه الحقيقي، كما أن لفظ المستعار له كذلك فلا استعارة هناك حقيقة، بل (الاستعارة إنما تطلق حيث يطوى ذكر المستعار له) فلا يكون لفظه في نظم الكلام المشتمل على لفظ المستعار منه مذكورا ولا مقدرا، بل يكون معناه مرادا بلفظ المستعار منه فقد أستعير حينئذ لفظ المشبه به للمشبه، وما قررنا شامل للاستعارة المصرحة نحو رأيت أسدا يرمى، والمكنية في نحو أظفار المنية على رأى المصنف، لأن المستعار ههنا عنده هو السبع الذي سكت عنه، ودل عليه بذكر بعض روادفه فلا يكون لفظ المستعار له مذكورا أصلا في الكلام المشتمل على ذكر المستعار بل مطويا معه كما إذا قلت أظفار السبع وأردت به المنية، وسنكشف لك مباحث الاستعارة بالكناية وما يتعلق بها في قوله تعالى - ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه - (قوله ويجعل الكلام خلوا) أي خاليا (عنه) أي عن ذكر المستعار له (صالحا لأن يراد به) أي
(٢٠٤)