الحاشية على الكشاف - الشريف الجرجاني - الصفحة ١٩٨
كما للشمس والنور ما يكون من غيره كما للقمر ثم حكم بأن اشتقاقها من نار ينور نورا ونوارا وبأن اشتقاق النور منها بناء على المناسبة اللغوية فإن الحركة والاضطراب يوجدان فيها أولا وبالذات وفى نورها ثانيا وبالعرض فما حكم به أولى من جعل النار مشتقة من النور المشتق من نار وأضاء في الآية إما متعد فيكون قوله ما حوله مفعولا به أي جعلت النار ما حول المستوقد مضيئا وإما لازم فيكون مسندا إلى ما حوله أي صارت الأماكن والأشياء التي حوله مضيئة بالنار أو إلى ضمير النار وحينئذ إما أن تكون كلمة ما مزيدة وحوله ظرفا لغوا لأضاءت أو موصولة وقعت عبارة عن الأمكنة فتكون مع صلتها مفعولا فيه لأضاءت وكان ينبغي أن يصرح على الأخير بكلمة في لأن حذفها من لفظ مكان إنما كان لكثرة استعماله ولاكثرة في الموصول الذي عبر به عن الأمكنة فيحمل على أنه من قبيل * عسل الطريق الثعلب (قوله ويجعل إشراق ضوء النار) كأن سائلا يقول:
إذا استتر في الفعل ضمير النار وجب أن توجد النار حول المستوقد حتى يتصور إضاءتها وإشراقها فيه أجاب بأن النار وإن لم توجد فيما حوله فقد وجد ضوءها فيه، فجعل إشراق ضوء النار حوله بمنزلة إشراق النار نفسها فيه فأسند إليها إسناد للفعل إلى المسبب كما في بنى الأمير. فإن النار سبب لإشراق ضوئها حول المستوقد ومآله ما اشتهر في العرف من أن الضوء ينتشر من المضئ إلى مقابلاته فيجعلها مستضيئة (وحوله نصب على الظرف) إما لغو على تقدير زيادة ما كما مر وإما مستقر كما في سائر التقادير (وتأليفه) أي تأليف حروف حول هذه الترتيب (للدوران والإطافة؟؟؟) يقال طاف وأطاف واستطاف بمعنى وقيل للعام حول لأنه يدور ومنه حال الشئ واستحال أي تغير وحال الإنسان وهى عوارضه التي تتحول عليه والحوالة وهو أسهم من أحال عليه بدينه (قوله أين جواب لما) لا يخفى أن إذهاب النور يناسب الاستيقان فالظاهر أن يجعل - ذهب الله بنورهم - جواب لما إلا أن فيه مانعا لفظيا هو توحيد الضمير في استوقد وحوله وجمعه في بنورهم ومعنويا وهو أن المستوقد لم يفعل ما يستحق به إذهاب النور بخلاف المنافق فجعله جوابا يحتاج إلى تأويل كما سيأتي فلذلك سأل وجوز أن يكون الجواب محذوفا ثم لا بد للحذف من قرينة تجوزه ومن داع يرجحه على الإثبات الذي هو الأصيل فأشار إلى الأول بقوله (وإنما جاز حذفه لاستطالة الكلام) أي لطوله يقال استطال: أي طال، واستطاله أي عده طويلا ومنه قوله ولكونه مستطالا بصلته وأورد عليه أولا أنه لا أستطالة ههنا بخلاف قوله - فلما ذهبوا به -.
وأجيب بأن المراد لولا حذف ذلك الجواب المحذوف لطال الكلام. وثانيا أن عد الاستطالة في المرجح أولى من عدها في المجوز ودفعه بأنه حاول أن يذكر في كل منهما أمرين ليس بشئ وقوله (للدال عليه) أي على
(١٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 193 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 ... » »»