كلاهما مجازان، لأن النوم قد أسند فيهما إلى غير ما هو له، إما بطريق الإثبات وإما بطريق النفي، وليس بشئ لأن نسبة الفعل قد تكون ثبوتية وقد تكون سلبية، وكل واحدة منهما تعتبر في نفسها. ألا ترى أنك إذا قلت:
ما ربحت التجارة بل التاجر لم يكن هناك مجاز أصلا؟ فعلى هذا فحقه أن يقول: كيف أسند عدم الربح إلى التجارة؟
إلا أنه عدل عنه تنبيها على أن عدم الربح ههنا جعل كناية عن الخسران وإن كان أعم منه ثم أسند، وأشار بذلك إلى أنه لو اقتصر ههنا على انتفاء الربح لكان منسوبا إلى ما هو محله حقيقة فلا مجاز. نعم إذا كنى به عن الخسران وأسند إلى التجارة كان مجازا، وفائدة هذه الكناية التصريح بانتفاء مقصود التجارة وهو الربح مع حصول ضده الخسران، بخلاف ما لو قيل فخسرت تجارتهم، وكذا الحال فيما إذا قلت: ما صام نهاره بمعنى أفطر، وما نام ليله بمعنى سهر، فإنه يكون من قبيل المجاز وإن قصدت بهما نفى الصوم عن النهار والنوم عن الليل فقط كما في قولك:
ما صام النهار وما نام الليل لم يكن منه قطعا، والضابط أن الفعل إذا نفى عن غير فاعله وقصد مجرد نفيه عنه كان حقيقة، وإذا أول ذلك النفي بفعل آخر ثابت للفاعل دونه كان مجازا، فتدبر والله الموفق (قوله وهو أن يسند الفعل) هذا التفسير للإسناد المجازى بما هو أعم مما سبق، إذ قد اشترط المصنف هناك مضاهاة الفاعل المجازى للفاعل الحقيقي في ملابسة الفعل، واقتصر ههنا على تلبسه به مطلقا، ولك أن تحمله على التقييد اعتمادا على ما سلف وتقول:
التجارة سبب يفضى إلى كل واحد من الربح والخسران، والأولى إجراؤه على ظاهره، فإن التلبس بالذي هو له في الحقيقة مصحح للإسناد كما في قولهم: قال الملك كذا ورسم كذا، وإنما القائل والراسم بعض خاصته على ما مر (قوله نعم إذا دلت الحال) أي إذا قامت القرينة على أنهما رأس المال جاز أن يسند إليهما إسنادا مجازيا ولا جواز بدونها، فإن الشرط في المجاز لغويا كان أو عقليا قيام القرينة لا وجود السماع في أفراده. وفيه رد على علي بن عيسى الربعي حيث حكم بعدم صحتهما لوقوع الالتباس بالإسناد الحقيقي. وفى قوله (هب) إشارة إلى نوع استبعاد في حمل الاشتراء على الاستبدال المذكور بواسطة ما قارنه من ذكر الربح والتجارة (قوله من الصنعة البديعة) أي الغريبة المستحسنة (وهى) أي تلك الصنعة والديباجتان الخدان. ورونق السيف: ماؤه وحسنه،