أي هوان شديد، وهذا أظهر في التمثيل من شعر شاعر، لأن المتبادر من الشعر هو الكلام المنظوم لا المعنى المصدري (قوله وناقة ضبوث) وهى التي يشك في سمنها فتضبث: أي تجس باليد، فلما كان فيها ما يحمل الرائي على جسمها جعلت كأنها تضيث نفسها، ومنه ناقة حلوب وماء شروب وطريق ركوب، والمقصود من جعلها مجازا عقليا إبقاء فعول على ما هو المتعارف من كونه بمعنى الفاعل دون المفعول (قوله إذا رد عافى القدر من يستعيرها) أوله * فلا تسأليني واسألى عن خليقتي * أي اسأل عن طبيعتى وخلقى أيام الجدب، وذلك أن العافي بقية المرقة في القدر يرد معها إذا استعيرت، إما بمعنى السائل كأنها تسإل صاحبها أن يعطيها صاحب القدر، وإما لأنها خير نام جهة القدر من عفا النبات إذا نما وكثر، وإما لأنها شئ يسير عافى الأثر فقيل كانوا في السنة الجدبة لايستعيرونها تفاديا عن إعطاء العفاى، فهو سبب مانع للمستعير من الاستعارة، فنسب الرد إليه كما ينسب الفعل إلى سببه، وقيل كانوا إذا استعاروا في القحط قدرا ردوها معها شيئا مما طبخ فيها، وعلى هذا يكون عافى القدر مفعولا أسكن يه الياء حال النصب كما في " أعط القوس باربها " وجاز تقديمه على الفاعل مع انتفاء الإعراب اللفظي لوجود القرينة المعنوية، بل وجب ذلك لاشتعمال الفاعل على ضمير راجع إلى متعلق المفعول، ولم يستحسنه المصنف فاختار التجوز، إذ لا ظهور للقرينة المعنوية مع جوازه وإسكان المنصوب أيضا قليل مخالف للأصل. الجواب الرابع أن الختم عبارة عن ترك القسر والإلجاء إلى الإيمان فيجوز إسناده إلى الله تعالى حقيقة وتحريره أن الختم على القلوب يستلزم ترك القسر والإلجاء إلى الإيمان، فمعنى ختم الله على قلوبهم: أنه لم يقسرهم عليه، وليس هذا: أعني ترك القسر مقصودا في نفسه بل لينتقل منه إلى أن مقتضى حالهم الإلجاء لولا ابتناء التكليف على الاختيار، وينتقل من هذا المقتضى إلى أن الآيات والنذر لاتغنى عنهم وإن الألطاف لا تجدى عليهم وينتقل من عدم الإغناء والإجداء إلى تناهيهم في الإصرار على الضلال، فأطلق الختم على ترك القسر مجازا مرسلا ثم كنى به عن ذلك التناهي فيكون هذا وجها مستقلا في الآية كالجواب الثاني، هذا ما يقتضيه ظاهر قوله عبر عن ترك القسر والإلجاء بالختم إشعار بأنهم الخ ومنهم من قال: حاصله أن الختم المستعار لما مر جعل مجازا عن ذلك
(١٦٢)