الحاشية على الكشاف - الشريف الجرجاني - الصفحة ١٦٤
كان إدارك القلب والسمع من جميع الجوانب جعل المانع فيهما الختم الذي يمنع من جميع الجهات، ولما كان إدراك البصر من جهة المقابلة فقط خص المانع فيه بالغشاء المتوسط بين الرائي والمرئي (قوله كان أدل على شدة الختم في الموضعين) وذلك لأن ملاحظة الجار في كل منهما تقتضى أن يلاحظ مع كل واحد معنى الفعل المعدى، فكأن الفعل مذكور مرتين (قوله يفعلون ذلك) إشارة إلى أن جواز مطرد إذا أمن اللبس، وكذا الحال في المصادر عنه لمح الأصل، وأما المرجح فالاختصار والتفنن بتوحيد السمع وجمع أخويه مع إشارة لطيفة إلى أن مدركاته نوع واحد ومدركاتهما أنواع مختلفة، وما قيل من أن دلالة وحدته على وحدة متعلقه لا تعلم من أي الدلالات هي مدفوع بأنها من الدلالات الالتزامية التي يكتفى فيها بأي لزوم كان ولو بحسب الاعتقاد في اعتبارات البلغاء (قوله يدل عليه) أن على أن توحيد السمع لمح الأصل جمع الأذن من الأمن من اللبس (قوله أي وعلى حواس سمعهم) فيكون السمع حينئذ بمعنى المصدر، وفيما سبق من الوجهين كان بمعنى القوة السامعة (قوله نور العين) هو القوة التي بها الإبصار كما أن نور القلب هو القوة التي بها التعقل والافتكار، ولفظ كأن في قوله وكأنهما ليس للتشبيه بل للظن والتخمين الذي كثر استعماله فيه، والمراد بالجوهر الجسم اللطيف النوراني لا ما هو قائم بذاته ذهابا إلى جعل القوى من قبيل الصور دون الأعراض (قوله بالكسر والنصب) لابد في النصب مطلقا من تقدير فعل كجعل أو أحدث على طريقة قوله * علفتها تبنا وماء باردا * والعشاء مصدر الأعشى، وهو من لا يبصر بالليل ويبصر بالنهار، ولعل المعنى حينئذ: أنهم يبصرون الأشياء إبصار غفلة لاإبصار عبرة (قوله ويدل عليه) أي على أن العذاب فيه معنى الإمساك والقمع (قوهل على القلب) أي على جعل العين موضع الفاء والفاء موضع العين، يقال رفت الشئ يرفته: أي فته بيده كما يفت المدر والعظم البالي، فعلى هذا فوزن فرات عفال (قوله ثم اتسع فيه) أي في العذاب بالتعميم دون النكال، يقال فدحنى الشئ: أي أثقلنى فهو
(١٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 169 ... » »»