الحاشية على الكشاف - الشريف الجرجاني - الصفحة ١٥٩
كالمختوم عليها. كأنها مستوثق منها بالختم أن المشبه به في الاستعارة المذكورة هو الختم المبنى للمفعول لا المبنى للفاعل، ولذلك قيل المشبه عدم نفوذ الحق في القلوب والأسماع لا إحداث الهيئة المانعة فيها، وفساده ظاهر لأنه إذا أستعير المصدر المبنى للمفعول اشتق منه فعل مبنى له كما يشتق من المصدر المبنى للفاعل فعل مبنى له، فكان ينبغي أن يقال ختم على قلوبهم وعلى سمعهم، وأيضا كون الشئ مختوما عليه مستلزم لعدم النفوذ فيه استلزاما ظاهرا، فيكون إطلاقه عليه من باب المجاز المرسل وجعله من قبيل الاستعارة تعسف. نعم قد يشبه كون القلب مثلا قد أحدث فيه هيئة مانعة من أن ينفذ فيه الحق بكون لا شئ مختوما عليه، وتنقيح المقام أن المشابهة التامة إنما هي بين النقش الحاصل في الختم والهيئة المانعة الحادثة في القلوب والأسماع من حيث أن كلا منهما مانع من النفوذ، وحينئذ جاز أن يشبه إحداث هذه الهيئة بإحداث ذلك النقش ويبنى منه الفعل للفاعل، وأن يشبه كون القلب محدثا فيه هذه الهيئة بكون الشئ محدثا فيه ذلك النقش، ويبنى منه الفعل للمفعول. وأما عدم النفوذ فهو من تتمة وجه الشبه لامشبه ولا مشبه به، والمقصود بالصفة التي نبه بالإسناد إلى الله تعالى على ثبات قدمها وتمكنها هو هذه الهيئة الحادثة في القلب لا إحداطها ولا كونها محدثة فيه، فتبصر واستكشف بما قررناه حال قوله - وعلى أبصارهم غشاوة، ولا تكن من الغافلين (قوله ما خيل إليك) وهو أنه تعالى يمنع من قبول الحق والتوصل إليه:
يعنى أن الآية مسوقة لاستقباح حالهم واستحقاقهم العذاب العظيم فلا مجال لذلك التخييل. الجواب الثاني بغير المدعى، وهو أن لا يحمل الختم على الاستعارة ولا على التمثيل المذكور بل على تمثيل آخر يكون وجها ثالثا في الآية، وهو أن يشبه حال قلوبهم فيما كانت عيه من التجافي والنبو عن الحق بحال قلوب محقق ختم الله عليها
(١٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 ... » »»