وذكر المصنف نحوا منه في سورة الفرقان. وقال الليث: إنها اسم ملك، والتأنيث عنده باعتبار اللفظ، وعن أبي زيدا أنها أكمة فوق جبل شاهق، وذكر بعضهم أنها طائرة أغربت في البلاد فنأت فلم تر بعد ذلك. وهذا المعنى يلائم طول الغيبة وما تقدم يناسب الإهلاك الكلى. وفى الحواشي يقال ثلة أغتام كثلة أغنام. الأغتام جمع غتم جمع أغتم وهو الجاهل الذي لا يفهم شيئا. قيل ونظيره الأعزال جمع عزل جمع أعزل وفى الأساس رجل أغتم وقوم غنتم وأغتام من الغتمة وهى العجمة في المنطق. وذكر المصنف في سورة النبأ عن بعضهم أن ألفاظا جمع لف جمع لفاء، واختاره وادعى أنه ليس واجدا له نظيرا، وعلى هذا فالوجه أن يجعل أغتام عنده مما لا واحد له من لفظه دفعا للتنافي بين قوليه، ونبه بقوله هي في خلوها عن الفطن كقلوب البهائم على أنها ليست قلوب من يجرى عليه تكليف وقوله وليس له عز وجل فعل في تجافيها معطوف على قوله فكذلك مثلث أن يجعل الختم على طريق الاستعارة أو التمثيل السابق كما ادعاه أولا، ويجعل إسناده إلى الله تعالى مجازا من باب إسناد الفعل إلى المسبب له، فالخاتم في الحقيقة هو الشيطان أو الكافر نفسه، إلا أنه سبحانه لما كان هو الذي أقدره ومكنه أسند إليه الفعل كما أسند إلى الأمير في قولهم: بنى الأمير المدينة، وفى قوله (أن يستعار الإسناد) إشارة إلى أن الموصوف بالمجاز العقلي هو الإسناد لا الكلام المشتمل عليه، ولفظ اسم في قوله (إلى اسم الله) مقحم للتأديب، والمبالغة في كون إسناد الختم إليه مجازا صرفا حتى كأنه مسند إلى اسمه لا إليه (قوله وهو) أي الختم أو إسناده ثابت (لغيره) تعالى في حال كونه (حقيقة) وقد صرح باعتبار المجاز العقلي في الفعل وحده، واقتصر من ملابسات الفعل على ما يصلح لإسناده إليه، فلم يذكر المفعول معه والحال والتمييز، وأراد بالفعل الحدث وبالفاعل ما كان الفعل وصفا قائما به سواء كان حقيقيا أو اعتباريا صادرا عنه أو عن غيره، فالضارب مثلا فاعل دون المضروب للفعل المبنى للفاعل، لأن الضاربية صفة قائمة به، والمضروب فاعل دون الضارب للفعل المبنى للمفعول، لأن المضروبية وصف قائم به، وإسناد ضرب إلى الأول حقيقة وإلى الثاني مجاز، وإسناد ضرب بالعكس وتسمية المجاز العقلي بالاستعارة إنما هي على سبيل التشبيه بالاستعارة الاصطلاحية كما أشار إليه بقوله (وذلك) أي إسناد الفعل إلى هذه الأشياء (لمضاهاتا الخ) فالمستعار ههنا معنى وهنالك لفظ، ومن ثمة جعلهما متقابلين في قوله تعالى - إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم - حيث قال له طريقان في علم البيان: أحدهما أن يكون من المجاز الذي يسمى استعارة، والثاني أن يكون من المجاز الحكمي. والقول بأن السكاكي حمل كلام المصنف ههنا على الاستعارة المكنية فارتكب لذلك رد المجاز العقلي إليها مما لايلفتت إليه. وفى تقييده المضاهاة بقوله (في ملابسة الفعل) إشعار بأن المشابهة يجب أن تكون من هذه الجهة، وفيه كلام سيأتيك عن كثب (والمفعم) المملوء وهو الوادي فقد بنى للمفعول وأسند إلى الفاعل الذي هو السيل على كعس ما تقدم، يقال ذال: أي هان، وأذاله أهانه (وذيل ذائل)
(١٦١)