إذ يلزم منه على التقديرين أن يكون سبحانه ماعنا من قبلو الحق بختم القلوب ومن التوصل إليه بختم الأسماع، وكلاهما قبيح يمتنع صدوره عنه تعالى بدليل عقلي، هو أنه تعالى مستغن عن القبيح وعالم بقبحه وبغناه عنه، فيمتنع الصدور لحمته لا لخروجه عن قدرته، وبدلائل سمعية نطق بها لا تنزيل، فإن نفى الظلم عنه ليس إلا قبحه فيعم القبائح كلها. ومن المعلوم أنه إذا لم يكن آمرا بالفحشاء لم يكن فاعلا لها أصلا. وأما على قاعدة أهل الحق فلا قبيح بالنسبة إلى تعالى، بل الأفعال كلها بالسنبة إليه على سواء، ولا يتصور في أفعاله ظلم لأن الكل منه وبه وإليه، فله أن يتصرف في الأشياء كلها كما يشاء، وإنما يوصف بالقبح والظلم ونظائرهما أفعال العباد باعتبار كسبهم هلا وقيامها بهم، لا باعتبار إيجاد الله إياها فيهم كما حقق في الكتب الكلامية (قوله القصد إلى صفة القلوب) أجاب عن السؤال المذكور بأجوبة خمسة: الأول أن الإسناد إليه تعالى كناية عن فرط تمكن هذه الصفة إلى هي الهيئة الحادثة المانعة وثبات رسوخا في قلوبههم وأسماعهم، فإن كونها كذلك يستلزم كونها مخلوقة لله تعالى صادرة عنه فذكر اللازم ليتصور وينتقل منه إلى الملزوم الذي هو المقصود فيصدق به. ألا تراهم يقولون: فلا مجبول على كذا، ولا يعنون به تحقق خلقه عليه بل ثباته وتمكنه فيه، ولما لم يمكن إرادة الحقيقة في إسناد ختم إلى الله تعالى على مذهبه وجب أن يعده مجازا متفرعا عن الكناية، فقد ذكر في قوله تعالى - ولا ينظر إليهم - أن أصله فيمن يجوز عليه النظر الكناية ثم جاء فيمن لا يجوز عليه مجردا لمعنى الإحسان مجازا عما وقع كناية عنه فيمن يجوز عليه النظر، فظهر بما قرره هناك أنه إذا أمكن المعنى الأصلي كان كناية، وإذا لم يمكن كان مجازا مبنيا على تلك الكناية وحينئذ يجوز إطلاق الكناية عليه نظرا إلى أنه أصله كان كناية في معنى، ثم انقلب فيه مجازا والتغاير اعتباري.
ومن ثم تراه جعل بسط اليد وغلها في سورة المائدة مجازين عن الجود والبلخ، وجعلهما في طه من الكنايات كالاستواء على العرش، فلا منافاة بين قوليه ولا حاجة في دفعهما إلى ما قيل من أنه قد يشترط في الكناية إمكان المعنى الأصلي وقد لا يشترط، وسيأتيك هناك مزيد تفصيل لذلك، هذا وقد سبق إلى بعض الأوهام من قوله بأنها