لفظا مخبرا عنه بأولئك لكنه مرتبط به ارتباطا معنويا صار به من تتمة ما قبله متصلا به اتصال التابع بمتبوعه، فكما لا يصح العطف على تقدير كونه موصولا إما صفة مجرورة أو مخصوصا منصوبا أو مرفوعا لم يصح أيضا على تقدير كونه منقطعا، وإنما قال كالجاري عليه إشارة إلى الفرق بين المستأنف والمخصوص نصبا أو رفعا، فإن المخصوص وإن لم يكن جاريا على متبوعه صورة فهو جار عليه حقيقة، فإنه مسوق لإثبات مفهومه للمنعوت الذي قطع هو عن إعرابه، بخلاف المستأنف الذي سيق للحكم عليه بالهدى والفلاح، وإنما يفهم ثبوته للمتقين ضمنا، فهو كالجاري في الاتصال وعدم الاستقلال، وذلك لأنه مبنى على السؤال المبنى على ما نشأ منه، فهو من مستتبعاته، فإذا لم يصلح لذلك ما هو من توابعه وروادفه لم يصلح هو لذلك. فإن قلت: يرد عليه الوجه الأخير وهو أن يجعل والذين يؤمنون مبتدأ خبره أولئك على هدى فإنها حينئذ جملة مستقلة في وصف المؤمنين جاءت معطوفة على ما تقدمها، فليعطف عليها جملة وصف الكافرين كما في الآيات الأخر. قلت: يندفع بأنه بنى الكلام ههنا على الوجه المرضى وما ذكرته وجه ضعيف كما لوح إليه، بل ربما يستدل بهذا البناء على ضعفه. وأيضا قد عرفت أن هذه الجملة محمولة على التعريض وأن معناها على ما حققنا يناسب وصف الكتاب بالكمال ولذلك جاز عطفها على سابقتها. وأما جملة إن الذين كفروا فلا مدخل لها في ذلك، فلا وجه للعطف فيها. هذا وقد زعم بعضهم أن خلاصة الجواب المذكور في الكتاب إن الذين يؤمنون بالغيب إلى ساقته استئناف وقع جوابا عن سؤال، وأن قوله إن الذين كفروا لا يصلح أن يكون جوابا عن ذلك السؤال فامتنع العطف لذلك، ورد أنه مع كونه غير كلام المصنف غير مستقيم، فإنه إذا قيل ما بال المتقين مخصوصين بكون الكتاب هدى لهم دون من عداهم حسن غاية الحسن أن يقال لأن الموصوفين بتلك الصفات أحقاء بذلك، والكفار المصرين لا ينتفعون به، بل مستو عليهم وجود الكتاب وعدمه، فإن هذا المعطوف يؤكد اختصاصهم بالنفي عن غيرهم، وتوهم آخرون في الآية أنه ترك العطف في الآية لأنه استئناف آخر كأنه قيل ثانيا ما بال غيرهم لم يهتدوا به، فأجيب بأنهم لإعراضهم وزوال استعدادهم لم تنجع فيهم دعوة الكتاب إلى الإيمان. ورد بإنه بعد ما تقرر أن تلك الأوصاف المختصة هي المقتضية لذلك السؤال لم يبق لهذا السؤال وجه. وقيل ترك العطف لغاية الاتحاد والاتصال، وهو أيضا مردود بأن شرح تمرد الكفار لا يؤكد كون الكتاب كاملا في الهداية (قوله والتعريف في الذين كفروا) وذلك أن تعريف الذي من بين الموصولات كتعريف ذي اللام في كونه للعهد تارة والجنس أخرى، سواء جعلت من المعرف باللام كما ذهب إليه شر ذمة من النحاة، أولا كما عليه المحققون. والوجه في العهد أن هؤلاء أعلام الكفر والمشهورون به فهم لذلك كالحاظرين في الأذهان، فإذا أطلق اللفظ التفت إليهم، وإذا حمل على الجنس يعم الكفار، إلا أن الإخبار عنهم بما يدل على الإصرار دل على أن المراد هم المصرون فقط، فيكون اللفظ عاما مقصورا على بعض أفراده بقرينة الخبر. لا يقال: المصنف لم يذهب إلى أن الجمع المحلى بلام الجنس للاستغراق، بل هو عنده للإطلاق
(١٥٠)