فهذا الفرق بين النفث والتفل، قال الفرزدق:
هما نفثا في في من فمويهما * على النابح العاوي أشد رجام (1) وقيل في شر النفاثات قولان: أحدهما - إيهامهم أنهم يمرضون ويعافون، ويجوز ذلك مما يخيل رأي الانسان من غير حقيقة لما يدعون من الحيلة بالأطعمة الضارة والأمور المفسدة. الثاني - أنه بضرب من خدمة الجن يمتحن الله تعالى بتخليتهم بعض الناس دون بعض. ولا يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وآله سحر على ما رواه القصاص الجهال، لان من يوصف بأنه مسحور، فقد خبل عقله. وقد أنكر الله تعالى ذلك في قوله (وقال الظالمون إن تتبعون إلا رجلا مسحورا) (2) ولكن قد يجوز أن يكون بعض اليهود اجتهد في ذلك فلم يقدر عليه، فأطلع الله نبيه على ما فعله حتى استخرج ما فعلوه من التمويه، وكان دلالة على صدقه ومعجزة له.
وقوله (ومن شر حاسد إذا حسد) فالحاسد هو الذي يتمنى زوال النعمة عن صاحبها، وإن لم يردها لنفسه. والغبطة أن يريد من النعمة لنفسه مثل ما لصاحبه وأن لم يرد زوالها عنه، فالغبطة محمودة والحسد مذموم. وفي السورة ما يستدفع به الشرور بإذن الله على تلاوة ذلك بالاخلاص فيه، والاتباع لامر اله. وكان النبي صلى الله عليه وآله كثيرا ما يعوذ به الحسن والحسين وبهاتين السورتين. وقيل إن اللواتي سحرن النبي صلى الله عليه وآله بنات لبيد بن أعضم اليهودي، سحرنه في إحدى عشرة عقدة، فأنزل الله تعالى السورتين، وهما إحدى عشرة آية فحل بكل آية عقدة.