العبادة لتصريف المعنى، ولم يصلح فيه أصول مختلفة، لئلا يوهم النفي نفي معنى غير تصريف عبادة الله على الوجوه والأسباب كلها، وكان تصريف لفظ العبادة لتصريف معناها أحق وأولى من تصريف معناها في غير لفظها لما فيه من التشاكل المنافي للتنافر، ولفظة (الكافرون) في السورة مخصوصة بمن علم الله من حاله أنه يموت على كفره.
ولا يجوز أن يكون المراد العموم لأنا علمنا دخول كثير ممن كان على الكفر ثم دخل في الاسلام، وقيل: ان الألف واللام في الآية للمعهود، لان (أيا) لا يوصف إلا بالجنس، فخرج اللفظ على الجنس من حيث هو صفة ل (أي) ولكن (أيا) للمخاطبين من الكفار بأعيانهم فآل إلى معنى المعهود في أنه يرجع إلى جماعة بعينها، ونحوه يا أيها الرجال ادخلوا الدار، فلم تأمر جميع الرجال، ولكن أمرت الذي أشرت إليهم باقبالك عليهم. وقيل: يجوز أن تكون الآية عامة، والتقدير ولا أنتم عابدون ما أعبد بالشرط الذي ذكرتموه من أني أعبد إلهكم، لان هذا الشرط لا يكون ابدا، ولكن يجوز أن يؤمنوا فيما بعد بغير هذا الشرط.
فان قيل: ما فائدة الكلام؟
قيل الانكار لما لا يجوز من مناقلة العبادة على ما توهمه قوم من الكفار لتقوم الحجة به من جهة السمع كما كانت من جهة العقل مع الاعجاز الذي فيه. فان قال قائل: من أي وجه تضمن الاعجاز؟ قيل: له من جهة الاخبار بما يكون في مستقبل الأوقات مما لا سبيل إلى علمه إلا بوحي الله إلى من يشاء من العباد، فوافق المخبر بما تقدم به الخبر، وفي ذلك أكبر الفائدة وأوضح الدلالة.
فان قيل: ما معنى (لكم دينكم ولي دين)؟
قيل معناه لكم جزاء دينكم ولي جزاء ديني وحسبك بجزاء دينهم وبالا وعقابا كما حسبك بجزاء دينه نعيما وثوابا.