الثاني للمؤمنين، لما كانت امرأة فرعون مؤمنة، فقال (وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون) واسمها آسية. والمثل قول سائر يشبه فيه حال الثاني بالأول. فهذه الآية فيها قول فيه تشبيه حال المؤمنة التي زوجها كافر بحال امرأة فرعون في أنه لا يضرها كفره مع قربها منه، كما أن امرأة نوح وامرأة لوط، لم ينفعهما نبوتهما وإيمانهما حين كانتا كافرتين.
وقوله (إذ قالت) أي حين قالت امرأة فرعون داعية الله (رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني) أي وخلصني (من فرعون وعمله) يعني من مثل سوء عمله (ونجني من القوم الظالمين) يعني الذين ظلموا أنفسهم بالكفر بالله واستحقوا لذلك العقاب. وإنما دعت بالخلاص من عمل الكفار بأن سألت الله تعالى أن يلطف لها في التمسك بالايمان، وألا تعتر بتمكين الله لفرعون وكفار قومه وطول سلامته وسوابغ نعمته عليهم والانس به لطول مخالطته وصحبته، فربما أفتنت من هذه الوجوه، فدعت بهذا ليلطف الله لها في ذلك وتبقى على التمسك بالايمان.
وقوله (ومريم ابنت عمران) يحتمل أن يكون عطفا على قوله (امرأة فرعون) فلذلك نصبه. والعامل (وضرب) فكأنه قال: وضرب مثلا مريم ابنت عمران، ويحتمل أن يكون نصبا على تقدير واذكر أيضا مريم بنت عمران (التي أحصنت فرجها) فاحصان الفرج منعه من دنس المعصية يقال: أحصن يحصن إحصانا، ومنه الحصن الحصين، لأنه بناء منيع، والفرس الحصان الذي يمنع من ركوبه إلا مقتدرا على تلك الحال، وامرأة حصان - بفتح الحاء - لأنها تمنع من لمس الحرام.
وقوله (فنفخنا فيه من روحنا) قال قتادة معناه فنفخنا في جيبها من روحنا وقال الفراء: كل شق فهو فرج فأحصنت فرجها منعت جيب درعها من جبرائيل عليه السلام والظاهر أنه أراد الفرج الذي يكنى عنه. وقوله (فيه) يعني في الفرج، فلذلك