فان قيل: لم لا ذكرت الحجة في أن ما يدعون إليه لا يجوز.
قيل له: تقبيحا لها من حيث أخرجت مخرج مقالة يكفي العلم بفسادها، حكايتها مع الاستغناء بما في العقول عن الدلالة على بطلانها.
فان قيل: فهلا أنكر عليهم من طريق أن كل ما دعوا إليه لا يجوز للايجاز؟
قيل: لأنه إنكار متصل على حد ما يسألوا ولو أنكر انكارا مجملا لم يبين به تفصيل ما سألوه إلا بأن يحكى على انفراده. ثم يحمل الانكار به فحينئذ يفهم منه معنى المفصل.
فان قيل: فهلا بين ذكرهم بصفة غير منكر؟
قيل: قد بين ذلك بعلم التعريف له إلا أنه بصفات الذم التي فيها معنى الزجر وهي دالة على أحوالهم فيما دعوا له من الباطل، وتقحموا من أحوال الجاهل.
فان قيل: فلم قال (لكم دينكم ولي دين) مع ما يقتضي ظاهره التسليم؟
قيل: مظاهرة في الانكار، كما قال تعالى (اعملوا ما شئتم) (1) لما صاحبه من الدليل على التمكين وشدة الوعيد بالقبح لأنه إذا اخرج الكلام مخرج التسليم للامر دل على أن الضرر لا يلحق إلا المسلم إليه، فكأنه قيل له: أهلك نفسك إن كان ذلك خيرا لك.
فان قال: فلم قيل: ولا أنتم عابدون ما أعبد، ولم يقل من أعبد؟
قيل له: لأنه مقابل لقوله (ولا أنا عابد ما عبدتم) من الأصنام، ولا يصلح ههنا إلا (ما) دون (من) لأنه يعني ولا أنا عابد ما عبدتم من الأصنام ثم حمل الثاني على الأول للتقابل حتى لا يتنافر. وقيل: ان معناه ولا أنا عابد عبادتكم ولا أنتم عابدون عبادتي، لان عبادته متوجهة إلى الله، وعبادتهم متوجهة إلى الأصنام