وقوله (الذي علم بالقلم) (الذي) في موضع رفع، لأنه نعت لقوله (وربك) والمعنى إنه تعالى امتن على خلقه بما علمهم من كيفية الكتابة بالقلم، لما في ذلك من كثرة الانتفاع لخلقه، فقد نوه الله بذكر القلم إذ ذكره في كتابه، وقد وصف بعض الشعراء القلم فقال:
لعاب الأفاعي القاتلات لعابه * وأري الجنا اشتارته أيد عواسل وقوله (علم الانسان ما لم يعلم) امتنان من الله تعالى على خلقه بأن علمهم ما لم يكونوا عالمين به إما بخلق العلوم في قلوبهم من الضروريات أو بنصب الأدلة لهم على الوصول إليها فيما لم يعلموه ضرورة، وذلك من أعظم نعم الله تعالى على خلقه، وفي ذلك دلالة على أنه تعالى عالم لان العلم لا يقع إلا من عالم.
وقوله (كلا) ردع وزجر وتقديره ارتدعوا وانزجروا معاشر المكلفين، ثم اخبر (إن الانسان ليطغي) ويحتمل أن يكون بمعنى حقا على وجه القسم بأن الانسان ليطغى أي ليجاوزا الحد في العصيان والخروج عن الطاعة (أن رآه استغنى) أي إذا كثر ماله واستغنى بطر وطغى، وخرج عن الحد الحدود له، ويجوز أن يقال: زيد رآه استغنى من الرؤية بمعنى العلم، ولا يجوز من رؤية العين، زيد (رآه) حتى تقول رأى نفسه، لان الذي يحتاج إلى خبر جاز فيه الضمير المتصل لطول الكلام بلزوم المفعول الثاني. وقرأ أبو عمرو (رآه) بفتح الراء وكسر الهمزة.
وقرأ نافع وحفص عن عاصم بالفتح فيهما. الباقون بفتح الراء وبعد الهمزة الف على وزن (وعاه) على إمالة الفتحة، وأبو عمرو يميل الألف.
ثم قال على وجه التهديد لهم (ان إلى ربك الرجعى) فالرجعى والمرجع والرجوع واحد أي مصيرهم ومرجعهم إلى الله فيجازيهم الله على أفعالهم على الطاعات بالثواب، وعلى المعاصي بالعقاب.