ذكر - ههنا - يتجنبها أي يتجنب الذكرى الأشقى، فالتجنب المصير في جانب عن الشئ بما ينافي كونه، فهذا الشقي تجنب الذكرى بأن صار بمعزل عنها بما ينافي كونها، فالشقوة حالة تؤدي إلى شدة العقاب ونقيضها السعادة، شقي يشقى شقوة وشقاء وأشقاه الله يشقيه اشقاء عاقبه عقابا بكفره وسوء عمله.
ثم بين ان هذا الشقي هو (الذي يصلى النار الكبرى) يعني نار جهنم، ووصفها بالكبرى لان الحاجة إلى اتقائها أشد وذلك من كبر الشأن إذ الكبير الشأن هو المختص بشدة الحاجة إليه أولى باتقائه، فكلما كان أكبر شأنا فالحاجة إليه أشد. وقال الحسن: النار الكبرى نار جهنم، والنار الصغرى نار الدنيا، وقال الفراء: النار الكبرى التي في الطبقة السفلى من جهنم.
وقوله (ثم لا يموت فيها ولا يحيى) معناه إن هذا الشقي لا يموت في النار فيتخلص من العذاب، ولا يحيى حياة له فيها لذة، بل هو في ألوان العذاب وفنون العقاف. وقيل: لا يجد روح الحياة. وقوله (قد أفلح من تزكى) معناه قد فاز من تزكى يعني صار زاكيا بأن عمل الطاعات - في قول ابن عباس والحسن - وقال أبو الأحوص وقتادة: يعني من زكى ماله (وذكر اسم ربه) على كل حال (وصلى) على ما أمره الله به. ثم خاطب الخلق فقال (بل تؤرون الحياة الدنيا) أي تختارون الحياة الدنيا على الآخرة بأن تعملوا الدنيا ولا تعملوا للآخرة، وذلك على وجهين:
أحدهما - يجوز للرخصة. والاخر - محظور معصية لله ثم قال تعالى (والآخرة خير وأبقى) أي منافع الآخرة من الثواب وغيره خير من منافع الدنيا وأبقى، لأنها باقية وهذه فانية منقطعة.
وقوله (إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى) يعني ما ذكره الله وفصله من حكم المؤمن والكافر وما أعد الله لكل واحد من الفريقين مذكور في