لا يمنعه من ذلك مانع ولا يعترض عليه معترض، ولا يجوز أن يكون المراد إنه فعال لكل ما يريد لان ذلك يقتضي انه فعال لكل ما يريد أن يفعله العباد، وذلك أنه يستحيل أن يفعل ما يريد أن يفعله العباد، لان في ذلك ابطال الأمر والنهي والطاعة والمعصية والثواب والعقاب، إذ لا يأمرهم أن يفعلوا ما قد فعله، ولا ينهاهم عنه، ولأنه قد أراد من الكفار أن يؤمنوا، لأنه قد أمرهم بالايمان وما فعل إيمانهم وقد قال الله تعالى (وما الله يريد ظلما للعالمين) (1) ولو فعل ظلمهم لكان قد أراد ظلمهم. وقوله (هل اتاك حديث الجنود فرعون وثمود) معناه تذكر يا محمد حديثهم تذكر معتبر، فإنك تنتفع به، وهذا من الايجاز الحسن والتفخيم الذي لا يقوم مقامه التصريح لما يذهب الوهم في أمرهم كل مذهب ويطلب الاعتبار كل مطلب.
وقوله (بل الذين كفروا في تكذيب) معناه بل هؤلاء الكفار الذين كفروا كذبوا بالبعث والنشور فاعرضوا عما يوجبه الاعتبار بفرعون وثمود، واقبلوا على ما يوجبه الكفر والتكذيب من التأكيد، ولم يعلموا أن (الله من ورائهم محيط) يقدر أن ينزل بهم ما انزل بفرعون. وقيل المعنى (هل أتاك حديث الجنود) وما كان منهم إلى أنبيائهم فاصبر كما صبر الرسل قبلك (بل الذين كفروا في تكذيب) ايثارا منهم لأهوائهم واتباعا لسنن آبائهم.
وقوله (والله من ورائهم محيط) أي هم مقدور عليهم كما يكون فيما أحاط الله بهم، وهذا من بلاغة القرآن.
وقوله (بل هو قرآن مجيد) أي كريم فالمجيد الكريم العظيم الكريم بما يعطي من الخير، فلما كان القرآن يعطي المعاني الجليلة والدلائل النفيسة كان كريما مجيدا بما