الجزاء أعمالهم، فالوفاق الجاري على المقدار، فالجزاء وفاق لأنه جار على مقدار الاعمال في الاستحقاق، وذلك أنه يستحق على الكفر أعظم مما يستحق على الفسق الذي ليس بكفر. ويستحق على الفسق أعظم مما يستحق على الذنب الصغير.
وقوله (إنهم كانوا لا يرجون حسابا) أي لا يرجون المجازاة على الاعمال ولا يتوقعونه - وهو قول الحسن وقتادة - وقيل: معناه إنهم كانوا: لا يرجون حسن الجزاء في الحساب لتكذيبهم فالرجاء التوقع لوقوع أمر يخاف ألا يكون، فهؤلاء كان يجب عليهم أن يتوقعوا الحساب على يقين أنه يكون، فلم يفعلوا الواجب في هذا، ولا قاربوه لاعتقادهم أنه لا يكون فاللوم أعظم لهم والتقريع لهم أشد. وقيل:
معنى لا يرجون لا يخافون كما قال الهذلي:
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها * وحالفها في بيت نوب عوامل (1) وقوله (وكذبوا بآياتنا كذابا) معناه جحدوا بآيات الله وحججه، ولم يصدقوا بها. وإنما جاء المصدر على فعال للمبالغة مع اجرائه على نظيره الذي يطرد قبل آخره الف نحو الانطلاق والاقتدار والاستخراج والقتال والكرام، والمصدر الجاري على فعل التفعيل نحو التكذيب والتحسين والتقديم، وقد خرج التفعيل عن النظير لما تضمن من معنى التكثير، كما خرج التفاعل والمفاعلة للزيادة على أقل الفعل، فإنه من اثنين. ومثل كدأب، حملته حمالا وحرقته حراقا.
وقوله (وكل شئ أحصيناه كتابا) معناه وأحصينا كل شئ أحصيناه في كتاب، فلما حذف حرف الجر نصبه، وقيل: إنما نصبه لان في أحصيناه معنى كتبناه، فكأنه قال كتبناه كتابا، ومثل كذبته كذابا قصيته قصاء قال الشاعر: