وعاد وثمود، والآخرون قوم لوط وإبراهيم إلى فرعون ومن معه من الجنود أهلكهم الله تعالى بأنواع الهلاك جزاء على كفرهم لنعم الله وجحدهم لتوحيده واخلاص عبادته وقوله (ثم نتبعهم الآخرين) إنما رفعه عطفا على موضع (ألم) كأنه قال:
لكنا نهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين. وقال المبرد تقديره ثم نحن نتبعهم لا يجوز غيره. لان قوله (ألم نهلك) ماض، وقوله (ثم نتبعهم) مستقبل فلا يكون عطفا على الأول ولا على موضعه. والاهلاك إبطال الشئ بتصييره إلى حيث لا يدرى أين هو إما باعدامه أو باخفاء مكانه. وقد يكون الاهلاك بالإماتة، وقد يكون بالنقل إلى حال الجمادية. والأول هو الكائن قبل غيره. والثاني هو الكائن بعد غيره.
والأول قبل كل شئ هو الله تعالى الذي لم يزل. (والأولين) في الآية هم الذين تقدموا على أهل العصر الثاني، والاخر الكائن بعد الأول من غير بقية منه، وبهذا ينفصل عن الثاني، لان الثاني قد يكون بعد بقية من الشئ ثالثا ورابعا وخامسا إلى حيث انتهى، فإذا صار إلى الاخر فليس بعده شئ كالكتاب الذي هو أجزاء كثيرة وقوله (كذلك نفعل بالمجرمين) أي مثل ما فعلنا بأولئك نفعل مثله بالعصاة ثم قال (ويل يومئذ) يعني يوم الجزاء والثواب والعقاب (للمكذبين) فإنهم يجازون بأليم العقاب. والاتباع الحاق الثاني بالأول بدعائه إليه، والتبع الحاق الثاني بالأول باقتضائه له، تبع تبعا فهو تابع وأتبع اتباعا.
وقوله (ألم نخلقكم من ماء مهين) والمهين القليل الغناء، ومثله الحقير الذليل وفى خلق الانسان على هذا الكمال من الحواس الصحيحة والعقل والتميز من ماء مهين أعظم الاعتبار وأبين الحجة على أن له مدبرا وصانعا وخالقا خلقه وصنعه فمن جحده كان كالمكابر لما هو من دلائل العقول.
ثم قال الله تعالى مبينا انه جعل ذلك الماء المهين الحقير (في قرار مكين)