اما والله إن لو كنت حرا * وما بالحر أنت ولا العتيق (1) والاستقامة الاستمرار في جهة العلو. والمستقيم من الكلام المستمر على طريقة الصواب. وهو نقيض المحال. والاستقامة على طريق الحق التي يدعو إليها العقل طاعة الله. والمعنى - ههنا - في قول أكثر المفسرين: إنه لو استقام العقلاء على طريقة الهدى استمروا عليها وعملوا بموجبها لجازاهم على ذلك بأن أسقاهم ماء غدقا، يعني كثيرا. والغدق بفتح الدال المصدر، وبكسرها اسم الفاعل، وفي ذلك ترغيب في الهدى. قال الفراء: معناه وأن لو استقاموا على طريقة الكفر لفعلنا بهم ما ذكرناه تغليظا للمحنة في التكليف، ولذلك قال (لنفتنهم فيه) أي نختبرهم بذلك ونبلوهم به وغدق المكان يغدق غدقا إذا كثر فيه الماء والندى، وهو غدق - في قول الزجاج - وقوله (لنفتنهم فيه) معناه لنختبرهم ونعاملهم معاملة المختبر في شدة التعبد بتكليف الانصراف عما تدعو شهواتهم إليه، على ما تقتضيه الحكمة في ذلك والفتنة المحنة الشديدة، والمثوبة على قدر المشقة في الصبر عما تدعوا إليه الشهوة.
ثم قال تعالى مهددا لهم ومتوعدا (ومن يعرض عن ذكر ربه) والمعنى من يعدل عن الفكر فيما يؤديه إلى معرفة الله وتوحيده واخلاص عبادته، فالذكر حضور المعنى الدال على المذكور للنفس، وضده السهو، ومثله حضور المعنى بالقلب. والفكر في وجوه السؤال عن المعنى طلب للذكر له. والفكر في البرهان طلب للعلم بصحة المعنى المذكور وأنه حق ونقيضه باطل. وقوله (يسلكه عذبا صعدا) أي متصعدا في العظم. وقيل: متصعدا قد غمره وأطبق عليه. ومعناه عذبا أشهد العذاب من قوله (سأرهقه صعودا) (2) فاما قول العرب: تنفس الصعداء على وزن (فعلاء) أكثر كلامهم، ومنه قيل تنفس صعدا على وزن غرب والصعود العقبة الشاقة. وقال الفراء: