الا فرارا) أي لم يزدادوا بدعائي الا فرارا عن قبوله وبعدا عن استماعه، وإنما سمي كفرهم عند دعائه زيادة في الكفر، لأنهم كانوا على كفر بالله وضلال عن حقه، ثم دعاهم نوح إلى الاقرار به وحثهم على الاقلاع عن الشرك، فلم يقبلوا، فكفروا بذلك، فكان ذلك زيادة في الكفر، لان الزيادة إضافة شئ إلى مقدار بعد حصوله منفردا، ولو حصلا ابتداء في وقت واحد لم يكن أحدهما زيادة على الاخر، ولكن قد يكون زيادة على العطية. قيل: وإنما جاز أن يكون الدعاء إلى الحق يزيد الناس فرارا منه للجهل الغالب على النفس، فتارة يدعو إلى الفرار مما نافره، وتارة يدعو إلى الفساد الذي يلائمه ويشاكله فمن ههنا لم يمتنع وقوع مثل هذا، والفرار ابتعاد عن الشئ رغبة عنه أو خوفا منه، فلما كانوا يتباعدون عن سماع دعائه رغبة عنه كانوا قد فروا منه.
قوله تعالى:
(وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا (7) ثم إني دعوتهم جهارا (8) ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا (9) فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا (10) يرسل السماء عليكم مدرارا (11) ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا (12) مالكم لا ترجون لله وقارا (13) وقد خلقكم أطوارا) (14) ثمان آيات.