فكيف يترك تعليل السند به ويرحل إلى الحارث الذي وثقه الجمهور - كما قلنا - وعمل أهل السنة بحديثه. واحتجوا به، كأنه لا يوجد ضعيف في السند إلا هو.
فتنبه لهذا تعلم قصور الألباني في كلامه على أسانيد الحديث، وأنه صحفي لا غير.
وحتى لو سلمنا له أن الحارث ضعيف وكذاب - كما قال - ولكن من يثبت لنا أنه هو صاحب الحديث ما دام الطريق إليه فيها متروكا وغير ثقة؟!
ولو سلمنا له سلامة السند من كل هذا، وأن التهمة فيه من جهة الحارث وحده، ولكن ما زالت في الطريق إلى الصاق التهمة بالحارث علة أخرى تحول عند أهل الحديث دون الصاق التهمة به. وهذه العلة هي تدليس أبي إسحاق السبيعي، فإنه كان مدلسا، وقد عنعن في روايته عن الحارث، وعنعنة المدلس لا يقبلها أحد من أهل العلم مطلقا، لا عند المحدثين ولا عند غيرهم.
وأبو إسحاق السبيعي ذكره الحافظ - رحمه الله تعالى - في المرتبة الثالثة، من " طبقات المدلسين ": 14 وقال: مشهور بالتدليس.
بل نقل الحافظ في " تهذيب التهذيب " 8 / 66 عن الجوزجاني: أنه قال: كان قوم من أهل الكوفة لا تحمد مذاهبهم - يعني التشيع - هم رؤوس محدثي الكوفة:
أبو إسحاق، والأعمش، ومنصور، وزبيد، وغيرهم من أقرانهم، احتملهم الناس على صدق ألسنتهم في الحديث، ووقفوا عندما أرسلوا، لما خافوا أن لا تكون مخارجها صحيحة. فأما أبو إسحاق، فروى عن قوم لا يعرفون، ولم ينتشر عند أهل العلم إلا ما حكى أبو إسحاق عنهم.
وهذا الكلام الذي قاله الجوزجاني - وإن كان مردودا من جهة الطعن بالتشيع - فإنه أخبر فيه بأن أبا إسحاق يروي عمن لا يعرف، ويرسل عنهم.
فيجب على قوله هذا ترك عنعنته - كما هو معلوم - لاحتمال أنه أخذه عمن لا يعرف.
ولهذا قال معن: أفسد حديث أهل الكوفة الأعمش وأبو إسحاق للتدليس.
فهذه العلة وحدها تدفع التهمة عن الحارث، وتظهر أن من ضعف الحديث