وقال ابن القيم في " الطرق الحكمية " (1): الفاسق باعتقاده إذا كان متحفظا في دينه فإن شهادته مقبولة وأن حكمنا بفسقه كأهل البدع والأهواء الذين لا نكفرهم كالرافضة والخوارج والمعتزلة ونحوهم، هذا منصوص الأئمة ولم يزل السلف والخلف على قبول شهادة هؤلاء وروايتهم وإنما منع الأئمة كالإمام أحمد بن حنبل وأمثاله قبول رواية الداعي المعلن ببدعته وشهادته والصلاة خلفه هجرا له وزجرا لينكف ضرر بدعته عن المسلمين ففي قبول شهادته وروايته والصلاة خلفه واستقضائه وتنفيذ أحكامه رضى ببدعته وإقرار له عليها وتعريض لقبولها منه ا ه (2).
وقال بعده بقليل: إذا غلب على الظن صدق الفاسق قبلت شهادته وحكم بها، والله سبحانه لم يأمر برد خبر الفاسق فلا يجوز رده مطلقا بل يتثبت فيه حتى يتبين هل هو صادق أو كاذب، فإن كان صادقا قبل قوله وعمل به وفسقه عليه، وإن كان كاذبا رد خبره ولم يلتفت إليه، وخبر الفاسق وشهادته لرده مأخذان أحدهما: عدم الوثوق به إذ تحمله قلة مبالاته بدينه ونقصان وقار الله في قلبه على تعمد للكذب، الثاني: هجره على إعلانه بفسقه ومجاهرته به فقبول شهادته إبطال لهذا الغرض المطلوب شرعا، فإذا علم صدق لهجة الفاسق وأنه من أصدق الناس فلا وجه لرد شهادته، وقد استأجر النبي صلى الله عليه وآله هاديا يدله على طريق المدينة وهو مشرك على دين قومه ولكن لما وثق بقوله أمنه ودفع إليه راحلته وقبل دلالته.