فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٣ - الصفحة ١٥٤
مشهورة في الأطعمة (1) كلاهما (عن أبي هريرة) ولم يخرجه البخاري وخرجه الترمذي في الشمائل مطولا.
(1) وسببه أن سيد المرسلين رأى من نفسه جوعا فخرج فرأى أبا بكر وعمر قال: قوما فقاما معه إلى بعض بيوت الأنصار وسألهما عما أخرجهما فقالا: الجوع يا رسول الله فقال: وأنا كذلك والذي نفسي بيده فلم يجدوا الرجل وأخبرت امرأته أنه ذهب يستعذب الماء وأمرتهم بالجلوس ورحبت بهم وأهلت فجاء الرجل ليذبح وفرح بهم قائلا: من أكرم مني اليوم أضيافا. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إياك فذكره وفي مسلم أنه صلى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة فإذا هو بأبي بكر وعمر فقال: ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة قالا: الجوع يا رسول الله قال: وأنا والذي نفسي بيده أخرجني الذي أخرجكما قوما فقاما معه فأتوا رجلا من الأنصار وهو أبو الهيثم بن التيهان فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورط ب فقال: كلوا وأخذ المدية فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياك والحلوب فذبح لهم شاة فأكلوا منها ومن ذلك العذق وشربوا حتى شبعوا ورووا.
2894 (إياك والخمر) أي احذر شربها (فإن خطيئتها تفرع) بمثناة فوقية مضمومة وفاء وراء مشددة وعين مهملة (الخطايا) أي تطول وتكثر الذنوب يعني خطيئة الشرب تطول سائر الخطايا وتعلوها وتزيد عليها (كما أن شجرتها) يعني الكرمة (تفرع الشجر) أي تطول سائر الشجر التي تتعلبها وتتسلق عليها فتعلوها شبه المعقول بالمحسوس وجعل الأحكام الشرعية كالأعيان المرئية والخمر طريق إلى الفواحش ومحسنة لها ومرقاة إلى كل خبيئة ولذا سميت أم الخبائث (ه عن خباب) بن الأرت وفيه الوليد بن مسلم وسبق أنه ثقة مدلس.
2895 (إياك ونار المؤمن لا تحرقك) أي احذرها لئلا تحرقك يعني احذر أذى المؤمن فإن النار تسرع إلى من آذاه كهيئة الاختطاف فمن تعرض بمكروه أحرقه بنار نوره وذلك لأن لكل نور نار ولكل نار حريقا وحريق كل نار على قدره وعظم كل مؤمن على قدر نوره ونوره على قدر قربه ودنوه من ربه فاعلم أن الكلام في المؤمن الكامل فهو الذي له نار تحرق فأما غيره فلا نار له محرقة وإنما معه نور التوحيد فمن تعرض لأذى الكامل فقد تعرض للهلاك فليحذر من النظر إليه بعين الإزراء وإن وقعت منه هفوة أو هفوات (فإنه وإن عثر كل يوم سبع مرات) أراد التكثير لا التحديد وإن تكرر منه السقوط في الكبوات والهفوات كل يوم (فإن يمينه) أي يده اليمنى (بيد الله) بمعنى أنه لا يكله لنفسه ولا يتخلى عنه بل يقيله من عثرته ويعفو عن زلته (إذا شاء أن ينعشه) أي ينهضه ويقوي جانبه (أنعشه) أي إذا شاء أن يقيله من عثرته أقاله فهو ممسكه وحافظه وإنما قدر عليه تلك العثرة ليجدد عليه أمرا ويرفع له شأنا
(١٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 ... » »»
الفهرست