فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٣ - الصفحة ١٥١
صبرت على بعض الأذى خوف كله * ودافعت عن نفسي بنفسي فعزت وجرعتها المكروه حتى تجرعت * ولو جملة جرعتها لاشمأزت فيا رب عز ساق للنفس ذلة * ويا رب نفس بالتذلل عزت وما العز إلا خيفة الله وحده * ومن خاف منه خافه ما أقلت (ألا يا رب متخوض ومتنعم فيما أفاء الله على رسوله ماله عند الله من خلاق) أي نصيب في الآخرة لاستيفائه حظ نفسه في الدنيا فعلى المتصرف في الأموال العامة إذا أراد سلوك مناهج السلامة الاقتصار على الكفاف وقبض اليد عن التبسط في الاختصاص بالمال العام وقد فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم لعتاب حين ولاه مكة عام الفتح درهما شرعيا كل يوم وقد فرض عمر لنفسه ولأهله لما ولي الخلافة وكذا فعل ابن عبد العزيز (ألا وإن عمل الجنة) أي العمل الذي يقرب منها ويوصل إليها (حزن) ضد السهل (بربوة) بضم الراء وتفتح مكان مرتفع سمي ربوة لأنها ربت فعلت (ألا وإن عمل النار) أي العمل الذي يقرب منها ويوصل إليها (سهل بسهوة) بسين مهملة أرض لينة التربة شبه المعصية في سهولتها على مرتكبها بأرض سهلة لا حزونة فيها وإيضاح ذلك أن طريق الجنة وإن كانت مشقة على النفس لاشتمالها على مخالفة هواها بتجنب ما تهواه وفعل ما يشق عليها فلا يتوصل إليها إلا بارتكاب ما يشق على النفس وترك ما تشتهيه من لذاتها لكن ليس في ذلك خطر الهلاك إذ لا خطر في قهر النفس وترك شهواتها (ألا يا رب شهوة ساعة) واحدة كشهوة نظر إلى مستحسن محرم يفضي به إلى مواقعة كبيرة أو كلمة باطلة يمنع بها حقا أو يحق بها باطلا كأن يقتطع بها مال مسلم أو يسفك دمه أو يهتك عرضه (أورثت حزنا طويلا) في الدنيا والآخرة فالعاقل الحازم لنفسه المحتاط لها يأخذ لنفسه من الدنيا بقصد الحاجة لا بقصد اللذة ويأخذ لأهله ولغيره بالحاجة واللذة لا بالتطاول وفي الحديث أعظم زجر عن متابعة الشهوات وأبلغ حث على حفظ اللسان والجنان وهو من جوامع الكلم (ابن سعد) في الطبقات (هب عن أبي البجير) بالجيم صحابي قال الذهبي: له حديث وخرجه عنه الديلمي في مسند الفردوس أيضا وعزاه المنذري إلى تخريج ابن أبي الدنيا ثم ضعفه.
2888 (إيا ك) منصوب بفعل مضمر لا يجوز إظهاره من قبيل قولهم إياك والأسد وأهلك والليل وتقديره هنا باعد واتق (وكل أمر يعتذر منه) أي احذر أن تتكلم بما تحتاج أن تعتذر عنه. قال ذا النون: ثلاثة من أعلام الكمال وزن الكلام قبل التفوه به، ومجانبة ما يحوج إلى الاعتذار، وترك إجابة السفيه حلما عنه، وأخرج أحمد في الزهد عن سعد بن عبادة أنه قال لابنه: إياك وما يعتذر منه من القول والعمل وافعل ما بدا لك وفي رواية فإنه لا يعتذر من خير وخرج ابن عساكر عن ميمون بن
(١٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 146 147 148 149 150 151 152 153 154 155 156 ... » »»
الفهرست