فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٣ - الصفحة ١٥٨
الأمارة ولما كانت الأمارة مترددة بين يقين وشك فيقر ب تارة من طرف اليقين وتارة من طرف الشك صار تفسير أهل اللغة مبهما والظن متى كان عن أمارة قوية فإنه يمدح ومتى كان عن تخمين لم يعتمد وذم به * (إن بعض الظن إثم) * اه‍ (ولا تجسسوا) بجيم أي لا تتعرفوا خبر الناس بلطف كالجاسوس وقال القاضي: التجسس بالجيم تعرف الخبر ومنه الجاسوس وقال الزمخشري:
التجسس أن لا يترك عباد الله تحت ستره فيتوصل إلى الاطلاع عليهم والتجسس على أحوالهم وهتك الستر حتى ينكشف لك ما كان مستورا عنك ويستثنى منه ما لو تعين طريقا لإنقاذ محترم من هلاك أو نحوه كأن يخبر ثقة بأن فلانا خلا برجل ليقتله أو امرأة ليزني بها فيشرع التجسس كما نقله النووي عن الأحكام السلطانية واستجاده (ولا تحسسوا) بحاء مهملة أي لا تطلبوا الشئ بالحاسة كاستراق السمع وإبصار الشئ خفية وقيل الأول التفحص عن عورات الناس وبواطن أمورهم بنفسه أو بغيره والثاني أن يتولاه بنفسه وقيل الأول يختص بالشر والثاني أعم (ولا تنافسوا) بفاء وسين من المنافسة وهي الرغبة في الشئ والانفراد به ومنه * (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) * وروي تناجشوا من النجش. قال القاضي: التناجش أن يزيد هذا على هذا وذاك على ذاك في البيع وقيل المراد بالحديث النهي عن إغراء بعضهم بعضا على الشر والخصومة (ولا تحاسدوا) أي لا يتمنى أحد منكم زوال النعمة عن غيره وهو قريب من التنافس وفي رواية لا تقاطعوا ولا تدابروا قال في العارضة: المقاطعة ترك الحقوق الواجبة بين الناس تكون عامة وتكون خاصة (ولا تباغضوا) أي لا تتعاطوا أسباب البغض لأنه لا يكتسب ابتداء (ولا تدابروا) أي تتقاطعوا من الدبر فإن كلا منهما يولي صاحبه دبره. قال في العارضة التدابر أن يولي كل منها صاحبه دبره محسوسا بالأبدان أو معقولا بالعقائد والآراء والأقوال قال ابن القيم: والفرق بين المنافسة والحسد أن المنافسة المبادرة إلى الكمال الذي تشاهده في غيرك لتنافسه فيه لتلحقه أو تجاوزه فهو من شرف النفس وعلو الهمة وكبر القدر والحسد خلق نفس ذميمة وضعيفة ليس فيها حرص على الخير (وكونوا عباد الله) بحذف حرف النداء (إخوانا) أي اكتسبوا ما تصيرون به إخوانا مما ذكر وغيره فإذا تركتم ذلك كنتم إخوانا وإذا لم تتركوا صرتم أعداء (ولا يخطب الرجل على خطبة أخيه) بكسر الخاء بأن يخطب امرأة فيجاب فيخطبها آخر وظاهره ولو كان الأول فاسقا (حتى ينكح أو يترك) أي يترك الخاطب الخطبة فإذا تركها جاز لغيره خطبتها وإن لم يأذن له فظاهر ذكر الأخ اختصاص النهي بما إذا كان الخاطب مسلما فإن كان كافرا لم تحرم لكن الجمهور على أن ذكر الأخ غالبي والنهي للتحريم لا للتنزيه اتفاقا لكن له شروط مبينة في الفروع. (تنبيه) أخرج الحكيم الترمذي عن أبي الدرداء قال: ما لكم لا تحابون وأنتم إخوان على الدين ما فرق بين أهوائكم إلا خبث سرائركم ولو اجتمعتم على أمر تحاببتم ما هذا إلا من قلة الإيمان في صدوركم ولو كنتم توقنون بخير الآخرة وشرها لكنتم للآخرة أطلب فبئس القوم أنتم إلا قليلا منكم (مالك) في الموطأ (حم ق) في الأدب (د ت عن أبي هريرة).
(١٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 153 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 ... » »»
الفهرست