والتصدق بها وأيده بما في القوت عن الحسن أنه لا شئ أفضل من رفض الدنيا وبما في غيره عنه أنه سئل عن رجلين طلب أحدهما الدنيا بحلالها فأصابها فوصل بها رحمه وقدم فيها لنفسه وترك الآخر الدنيا فقال: أحبهما إلي الذي جانب الدنيا. (تنبيه آخر) قد أخذ الصوفية بقضية هذا الحديث فذهبوا أنه لا طريق إلى الوصول إلا الذكر قالوا: فالطريق في ذلك أولا أن يقطع علائق الدنيا بالكلية ويفرغ قلبه عن الأهل والمال والولد والوطن والعلم والولاية والجاه ويصير قلبه إلى حالة يستوي عنده فيها وجود ذلك وعدمه ثم يخلو بنفسه مع الاقتصار على الفرض والراتبة ويقعد فارغ القلب مجموع الهم ولا يفرق فكره بقراءة ولا غيرها بل يجتهد أن لا يخطر بباله شئ سوى ذكر الله فلا يزال قائلا بلسانه الله الله على الدوام مع حضور قلبه إلى أن ينتهي إلى حالة يترك تحريك اللسان ويرى كأن الكلمة جارية عليه ثم يصير إلى أن ينمحي أثره من اللسان فيصادف قلبه مواظبا على الذكر ثم تنمحي صورة اللفظ ويبقى معنى الكلمة مجردا في قلبه لا يفارقه وعند ذلك انتظار الفتح ورد عليهم النظار وذوي الاعتبار بما حاصله أن تقديم تعلم العلم أوفق وأقرب إلى الغرض ثم لا بأس أن يعقبه بالمجاهدة المذكورة (ت) في الدعوات (ه) في ثواب التسبيح (ك) في الدعاء والذكر (عن أبي الدرداء) عويمر قال الحاكم: صحيح وأقره الذهبي ورواه أحمد أيضا قال الهيثمي: وسنده حسن.
2887 (ألا يا رب نفس طاعمة ناعمة في الدنيا) أي مشغولة بلذات المطاعم والملابس غافلة عن أعمال الآخرة (جائعة عارية) بالرفع خبر المبتدأ أي هي لأنه إخبار عن حالها (يوم القيامة) أي تحشر جائعة عارية يوم الموقف الأعظم (ألا يا رب نفس جائعة عارية في الدنيا طاعمة) من طعام دار الرضى (ناعمة يوم القيامة) بطاعتها مولاها وعدم رضاها بما رضي به الكفار في الدنيا قال تعالى:
* (ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة) * (ألا يا رب مكرم لنفسه) بمتابعة هواها وتبليغها مناها بتبسطه بألوان طعام الدنيا وشرابها وتزينه بملابسها ومراكبها وتقلبه في مبانيها وزخاريفها (وهو لها مهين) فإن ذلك يبعده عن الله ويوجب حرمانه من منال حظ المتقين في الآخرة (ألا يا رب مهين لنفسه) بمخالفتها وإذلالها وإلزامها بعدم التطاول والاقتصار على الأخذ من الدنيا بأطراف الأصابع بقدر الحاجة (وهو لها مكرم) يوم العرض الأكبر لسعيه لها فيما يوصلها إلى السعادة الدائمة الأبدية والراحة المتصلة السرمدية ولله در القائل وهو أبو إسحاق الشيرازي: