فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٣ - الصفحة ١٥٩
2902 (إياكم والتعريس) أي النزول آخر الليل لنحو نوم (على جواد الطريق) بتشديد الدال جمع جادة أي معظم الطريق والمراد نفسها (والصلاة عليها) أي الطريق يعني فيها (فإنها مأوى الحيات والسباع وقضاء الحاجة عليها فإنها الملاعن) أي الأمور الحاملة على اللعن والشتم الجالبة لذلك والمصطفى صلى الله عليه وسلم رؤوف بأمته رحيم بهم فأرشد إلى تجنب ما هو مظنة حصول التأذي. (ه عن جابر) بن عبد الله سكت عليه المصنف فلم يشر إليه بعلامة الضعف كعادته في الضعيف وكأنه اغتر بقول المنذري رواته ثقات لكن قال الحافظ مغلطاي في شرح ابن ماجة: هذا الحديث معلل بأمرين: الأول ضعف عمرو بن أبي سلمة أحد رجاله فإن يحيى ضعفه وابن معين قال لا يحتج به، والثاني أن فيه انقطاعا لكن رواه البزار مختصرا بسند على شرط مسلم اه‍. وقال الولي العراقي: فيه سالم الخياط وفيه خلف واختلف في سماع الحسن عن جابر ورواه الطبراني أيضا قال الهيثمي: ورجاله رجال الصحيح.
2903 (إياكم والوصال) أي اجتنبوا تتابع الصوم بغير فطر فيحرم لأنه يورث الضعف والملل والعجز عن المواظبة على كثير من وظائف العبادات والقيام بحقها. قال في المطامح: أخبرني بعض الصوفية أنه واصل ستين يوما قالوا: فإنك تواصل قال: (إنكم لستم في ذلك مثلي) أي على صفتي أو منزلتي من ربي (إني أبيت) في رواية أظل والبيتوتة والظلول يعبر بهما عن الزمن كله ويخبر بهما عن الدوام أي أنا عند ربي دائما أبدا وهي عندية تشريف (يطعمني ربي ويسقيني) حقيقة بأن يطعمه من طعام الجنة وهو لا يفطر أو مجازا عما يغذيه الله به من المعارف ويفيض على قلبه من لذة مناجاته وقرة عينه بقربه وغذاء القلوب ونعيم الأرواح أعظم أثرا من غذاء الأجسام والأشباح فللأنبياء جهة تجرد وجهة تعلق فالنظر للأول الذي يفاض عليهم به من المبدأ الأول مصونون عما يلحق غيرهم من البشر من ضعف وجوع وعطش وفتور وسهر وبالنظر للثاني الذي به يفيضون يلحقهم ذلك ظاهرا لموافقته للجنس لتؤخذ عنهم آداب الشريعة ولولا ذلك لم يمكنهم الأخذ عنهم فظواهرهم بشرية تلحقهم الآفات وبواطنهم ربانية مغتذية بلذة المناجاة فلا منافاة بين ما ذكر هنا وبين ربطه الحجر على بطنه من شدة الجوع لما تقرر أن أحوالهم الظاهرة يساوون فيها الجنس وأحوالهم الباطنة يفارقونهم فيها فظواهرهم للخلق كمرآة يبصرون فيها ما يجب عليهم وبواطنهم في حجب الغيب عند ربهم لا يعتريها عجز البشرية من جوع ولا غيره فهاك هذا الجمع عفوا صفوا فقلما تراه مجموعا في كتاب وقل من تعرض له من الأنجاب (فاكلفوا) بسكون فضم احملوا (من العمل ما تطيقون) بين به وجه حكمة النهي وهو خوف الملل في العبادة والتقصير فيما هو أهم وأرجح من وظائف الدين من القوة في أمر الله
(١٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 154 155 156 157 158 159 160 161 162 163 164 ... » »»
الفهرست