فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٣٦
إلهية ولا نكلف بمثلها إجماعا بل البرهانية وهي أن يعلم بالدليل القطعي وجوده تعالى وما يجب له ويستحيل عليه كما تقرر. وسبب الحديث أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أي الأعمال أفضل؟ قال:
العلم بالله ثم أتاه فسأله فقال مثل ذلك فقال: يا رسول الله، إنما أسألك عن العمل. فقال: (إن العلم ينفعك معه قليل العمل وكثيره)، لأن العبادة المعول عليها، إنما هي ما كانت عن العلم به فأجل المقاصد وأهم المطالب وأعظم المواهب العلم بالله فهو أشرف ما في الدنيا وجزاؤه أشرف ما في الآخرة وهذا هو الغاية التي تطلب لذاتها أنما يشعر تمام الشعور بأن ذلك غير السعادة إذا انكشف له الغطاء وفارق الدنيا ودخل الآخرة وأما في الدنيا فإن شعر فبعض شعور قال بعضهم: لا ينبغي لعاقل أن يأخذ من العلوم إلا ما يصحبه إلى البرزخ لا ما يفارقه عند انتقاله إلى عالم الآخرة وليس المنتقل معه إلا العلم بالله والعلم بمواطن الآخرة حتى لا ينكر التجليات الواقعة فيها ولا طريق لذلك إلا بالخلوة، والرياضة، والمجاهدة، أو الجذب الإلهي. (وأن الجهل لا ينفعك معه قليل العمل ولا كثيره). لأن العلم هو المصحح للعمل والناس بمعرفته يرشدون وبجهله يضلون فلا تصح إذا عبادة جهل فاعلها صفات أدائها ولم يعلم شروط إجزائها. وفي طيه حث على أنه ينبغي للعاقل أن ينفي عن نفسه رذائل الجهل بفضائل العلم وغفلة الإهمال بإسقاط المعاناة ويرغب في العلم رغبة متحقق لفضائله واثق بمنافعه ولا يلهيه عن طلبه كثرة مال وجدة ولا نفوذ أمر وعلو قدر، فإن من نفد أمره فهو إلى العلم أحوج، ومن علت منزلته فهو بالعلم أحق انتهى. قال ابن حجر: وفيه أن العلم بالله ومعرفة ما يجب من حقه أعظم قدرا من مجرد العبادة البدنية (الحكيم) الترمذي في النوادر (عن أنس) قال الزين العراقي: وسنده ضعيف انتهى. فكان على المصنف استيعاب مخرجيه إيماءا إلى تقويته فمنهم ابن عبد البر وغيره.
1241 - (أفضل الأعمال الحب في الله)، أي في ذات الله لا لشوب رياء ولا هوى (والبغض في الله) قال الطيبي: في هنا بمعنى اللام في الحديث الآتي من أحب لله إشارة إلى الإخلاص لكن في هنا أبلغ أي الحب في جهته ووجهه كقوله تعالى: * (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) * [العنكبوت: 69] أي في حقنا ومن أجلنا، ولوجهنا خالصا فمن أفضل الأعمال أن يحب الرجل الرجل للإيمان والعرفان. لا لحظ نفساني كإحسان، وأن يكرهه للكفر والعصيان لا لإيذائه له والحاصل أن لا يكون معاملته مع الخلق إلا لله ومن البغض في الله بغض النفس الأمارة بالسوء وأعداء الدين، وبغضهما مخالفة أمرهما والمجاهدة مع النفس بحبسها في طاعة الله بما أمر ونهى ومع أعدائه تعالى بالمصابرة معهم والمرابطة لأجلهم وهذا الحديث على وجازته من الجوامع ومن تدبره وقف على سلوك طريق الله وفناء السالك في الله. ثم إن قيل كيف يكون الحب في الله والبغض فيه أفضل من نحو الصلاة والصوم والجهاد؟ قلنا من أحب في الله يحب أنبياءه وأولياءه ومن شرط محبته إياهم أن يقفوا أثرهم ويطيع أمرهم، قال القائل:
تعصي الإله وأنت تظهر حبه * * * هذا لعمري في القياس بديع
(٣٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 ... » »»