فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٣٩
جدوى، لكن لما كان اللسان هو الترجمان اقتصر عليه مع إرادة ضميمة لذكر القلبي (وأن تحب للناس) من الطاعات والمباحات الدنيوية والدينية (ما) أي مثل الذي (تحب لنفسك) من ذلك، وليس المراد أن يحصل لهم ماله مع سلبه عنه ولا مع بقاء عينه له إذ قيام الجوهر أو العرض بمحلين محال (وتكره لهم ما تكره لنفسك)، من المكاره الدنيوية والأخروية (وأن تقول خيرا) كلمة تجمع الطاعات والمباحات وتخرج المنهيات (أو تصمت) أو تسكت، والمراد بالمثلية هنا مطلق المشاركة المستلزمة لكف الأذى والمكروه عن الناس والتواضع لهم وإظهار عدم المزية عليهم، فلا يتنافى كون الإنسان يحب بطبعه لنفسه كونه أفضل الناس، على أن الأكمل بخلاف ذلك، فقد قال الفضيل لابن عيينة: إن وددت أن تكون الناس مثلك فما أديت النصح فكيف لو وددت أنهم دونك، ومقصود الحديث وما في معناه ائتلاف القلوب وانتظام الأحوال وهذه هي قاعدة الإسلام التي أوصى الله بها بقوله: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا).. الآية. [آل عمران: 103] وإيضاحه أن كلا منهم إذا أحب لجميعهم مثل ماله من الخير أحسن إليهم وكف الأذاء عنهم فيحبونه فتسري بذلك المحبة بينهم ويكثر الخير ويرتفع الشر وينتظم أمر المعاش والمعاد وتصير أحوالهم على غاية السداد (طب عن معاذ بن أنس) قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الإيمان فذكره، قال الهيثمي: فيه ابن لهيعة وهو ضعيف.
1246 - (أفضل الجهاد) أي من أفضل أنواع الجهاد بالمعنى اللغوي العام (كلمة حق) بالإضافة ويجوز تركها وتنوينها وفي رواية للترمذي: عدل: بدل حق، وأراد بالكلمة الكلام وما يقوم مقامه كالخط (عند سلطان جائر) أي ظالم، لأن مجاهد العدو متردد بين رجاء وخوف، وصاحب السلطان إذا أمره بمعروف تعرض للتلف فهو أفضل من جهة غلبة خوفه، ولأن ظلم السلطان يسري إلى جم غفير فإذا كفه فقد أوصل النفع إلى خلق كثير بخلاف قتل كافر، والمراد بالسلطان: من له سلاطة وقهر، وقضية صنيع المؤلف أن هذا هو الحديث بكماله، ولا كذلك بل تمامه عند مخرجه ابن ماجة كأبي داود:
أو أمير جائر.
تتمة أصل الجهاد بالكسر لغة المشقة، وشرعا بذل الجهد في قتال الكفار، ويطلق على مجاهدة النفس وعلى تعلم أمور الدين ثم العمل بها ثم على تعليمها، وأما مجاهدة الشيطان فعلى دفع ما يأتي به من الشبهات وما يزينه من الشهوات، وأما مجاهدة الكفار فباليد والمال والقلب، وأما الفساق فباليد ثم اللسان ثم القلب. فائدة: قال الدميري: دخل النور البكري على محمد بن قلاوون فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل الجهاد وذكر الحديث. ثم قال له: وأنت ظالم، فأمر بقطع لسانه فجزع واستغاث فشفع به بعض الأمراء. فقال السلطان: ما أردت إلا امتحان إخلاصه ثم نفاه (ه عن أبي
(٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 ... » »»