فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٤٧
حينئذ على إخراج المال آية صحة القصد وقوة الرغبة فكان لذلك أفضل، لأن المراد أن شح النفس هو سبب هذه الأفضلية (ولا تمهل) بالجزم نهي وبالرفع نفي، فيكون مستأنفا وبالنصب عطف على تصدق وكلاهما خبر مبتدأ محذوف: أي أفضل الصدقة أن تتصدق بها حال صحتك على احتياجك لما في يدك ولا تؤخر (حتى إذا بلغت) الروح يدل عليه السياق (الحلقوم) بضم الحاء المهملة الحلق أي قاربت بلوغه أي الوصول إلى مجرى النفس عند الغرغرة ولم تبلغه بالفعل، إذ لو بلغته لما صح تصرفه (قلت لفلان كذا ولفلان كذا) كناية عن الموصى به والموصى له: أي إذا وصلت هذه الحالة وعلمت أن المال صار لغيرك تقول للورثة أعطوا فلانا من مالي كذا، واصرفوا لعمارة المسجد كذا (وقد كان لفلان) أي والحال أن المال في تلك الحالة صار متعلقا بالوارث فيبطله إن شاء فيما زاد على الثلث، وقيل كناية عن المورث أي خرج عن تصرفه واستقلاله بما شاء من التصرف، فليس له في وصيته كثير ثواب بالنسبة إلى ما كان وهو كامل التصرف، وحاصله أن الشح غالب في الصحة فالصدقة حينئذ أعظم أجرا، وفيه أن المرض يقصر يد المالك عن بعض ملكه، وأن سخاءه في مرضه لا يمحو عنه سمة البخل، ومعنى شحه بالمال أن يجد له وقعا في قلبه لما يرجوه من طول العمر ويخافه من حدوث الفقر * (الشيطان يعدكم الفقر) * [البقرة: 268] وفيه التحذير من التسويف بالإنفاق استبعادا لحلول الأجل واشتغالا بطول الأمل، والترغيب في المبادرة بالصدقة قبل هجوم المنية وفوات الأمنية (حم ق دن عن أبي هريرة).
1259 - (أفضل الصدقة) أي من أفضلها: وكذا يقال فيما يأتي (جهد) روي بضم الجيم وفتحها فبالضم الوسع والطاقة وهو الأنسب هنا، وبالفتح المشقة والمبالغة والغاية (المقل) بضم فكسر أي مجهود وقليل المال: يعني قدرته واستطاعته وإنما كان ذلك أفضل لدلالته على الثقة بالله والزهد، فصدقته أفضل الصدقة، وهو أفضل الناس بشهادة خبر: أفضل الناس رجل يعطي جهده، والمراد بالمقل: الغني القلب ليوافق قوله الآتي: أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى، أو يقال: الفضيلة تتفاوت بحسب الأشخاص وقوة التوكل وضعف اليقين، فالمخاطب بهذا الحديث أبو هريرة وكان مقلا متوكلا على الله فأجابه بما يقتضيه حاله، والمخاطب بالحديث الآتي حكيم بن حزام وكان من أشراف قريش وعظمائها وأغنيائها ووجوهها في الجاهلية والإسلام (وابدأ) بالهمز وتركه (بمن تعول) أي بمن تلزمك مؤنته وجوبا فقدمه على التصدق تقديما للواجب على المندوب ولا يتناول ترفه العيال وإطعامهم لذيذ المطاعم بما زاد على كفايتهم لأن من لم تندفع حاجته أولى بالصدقة ممن اندفعت حاجته في مقصود الشارع (د) في الزكاة وسكت عليه وأقره المنذري (ك) فيها (عن أبي هريرة) وقال صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي.
1260 - (أفضل الصدقة) قال الراغب: ما يخرج من المال تقربا كالزكاة، لكن الصدقة في
(٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 ... » »»