قال الزين العراقي: اقتصر فيه على ضرب الهام لأن ضرب الرؤوس مفض للهلاك بخلاف بقية البدن فإنه تقع فيه الجراح ويبرأ صاحبها فإذا فسد الدماغ هلك صاحبه (تورثوا الجنان) التي وعد بها المتقون لأن أفعالهم هذه لما كانت تخلف عليهم الجنان فكأنهم ورثوها قال الطيبي: والحديث من باب التكميل كقوله تعالى: * (أشداء على الكفار رحماء بينهم) * [الفتح: 29] إذ تخصيص الهام بالضرب يدل على بطالتهم وشدة ضربتهم، وقال بعضهم جمع المصطفى صلى الله عليه وسلم بين هذه القرائن المتعددة إشارة إلى جواز التسجيع لكن شرطه عدم التكلف والتصلف بدليل قوله في خبر آخر: أسجع كسجع الكهان. وذم المستشرقين بإظهار فصاحتهم لصرف الوجوه إليهم وحاشى المصطفى صلى الله عليه وسلم عن قصد ذلك بل إذا قصد البيان لدين الله سمح طبعه الزكي وعنصره العربي بترادف قرائن لكمال فصاحته بغير تكلف في استخراجها، وهذا الحديث رواه أيضا العسكري عن عبد الله بن سلام بنحوه وزاد بيان السبب فقال:
لما قدم المصطفى صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس قبله، فقيل: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجئت في الناس لأنظر فلما رأيته عرفت أنه ليس بوجه كذاب، وكان أول شئ تكلم به أن قال: يا أيها الناس أفشوا السلام، إلخ. (ت عن أبي هريرة) وقال حسن غريب انتهى.
1232 - (أفشوا السلام) قال بعضهم: والحكمة فيه أن ابتداء التلاقي، وما ألحق به من مواطن مشروعية السلام ربما نشأ عنه خوف أو كبر من إحدى الجانبين فشرع نفيهما بالبداءة بتحية السلام إزالة للخوف وتحليا بالتواضع واستثنى بعضهم من طلب إفشاء السلام ما لو علم من إنسان أنه لا يرد عليه فلا يسلم عليه لئلا يوقعه في المعصية وتعقبه النووي بأن المأمورات الشرعية لا تترك لمثل ذلك ولو نظرنا لذلك بطل إنكار كثير من المنكرات ورده ابن دقيق العيد بأن مفسدة توريط المسلم في المعصية أشد من ترك مصلحة السلام سيما وامتثال الإفشاء يحصل مع غيره (وأطعموا الطعام)، فإن فيه قوام البدن قال البيهقي يحتمل إطعام المحاويج، ويحتمل الضيافة، أو هما معا وللضيافة في التآلف والتحابب أثر عظيم (وكونوا إخوانا كما أمركم الله) بها من الإخاء في الله والحب فيه قال سبحانه وتعالى: * (إنما المؤمنون إخوة) * [الحجرات: 10] قال أبو الدرداء فيما أخرجه الحكيم الترمذي عنه ما لكم عباد الله لا تحابون وأنتم إخوان على الدين، ما فرق بين أهوائكم إلا خبث سرائركم ولو اجتمعتم على أمر تحاببتم ما هذا إلا من قلة الإيمان في صدوركم، ولو كنتم توقنون بخير الآخرة وشرها، كما توقنون بأمر الدنيا لكنتم للآخرة أطلب فبئس القوم أنتم إلا قليلا منكم ما حققتم إيمانكم بما يعرف به الإيمان البالغ فنبرأ منكم (ه عن ابن عمر) بن الخطاب وكذا رواه النسائي.
1233 - (أفضل الأعمال) بعد الإيمان أي أكثرها ثوابا (الصلاة لوقتها) في رواية على وقتها