فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٦٢٣
972 - (استحيوا من الله) بترك القبائح والسيئات وفعل المحاسن والخيرات (حق الحياء) أي حياء ثابتا لازما. بحسب ما يجب وقدر ما يجب في الوقت الذي يجب، ثم علله بما يفيده تفاوت الناس في الأخلاق الفضلة من الحياء وغيره (فإن الله) إلى آخره فكأنه يقول: استحيوا من الله جهدكم فإنكم إذا استفرغتم وسعكم في التلبس بالحياء منه لا يكلفكم إلا ذلك فإنه تعالى (قسم بينكم أخلاقكم) قبل أن يخلق الخلق بزمن طويل (كما قسم بينكم أرزاقكم) أي قدر أخلاقا لخلقه فيما يتخلفون فيها يتخلفون كل على حسب ما قدر له كما قدر الأرزاق فأعطى كلا من عباده ما يليق به في الحكمة. وكما قدر فيهم رحمة واحدة فقسمها بينهم على التفاوت فيها يتراحمون. (تخ عن ابن مسعود) رمز المصنف لحسنه ورواه أحمد في حديث طويل من حديث ابن مسعود أيضا قال الهيتمي ورجاله وثقوا وفيهم ضعف.
973 - (استحيوا من الله حق الحياء) بترك الشهوات والنهمات وتحمل المكاره على النفس حتى تصير مدبوغة فعندها تطهر الأخلاق وتشرق أنوار الأسماء في صدر العبد ويقرر علمه فيعيش غنيا بالله ما عاش. قال البيضاوي: ليس حق الحياء من الله ما تحسبونه، بل أن يحفظ نفسه بجميع جوارحه عما لا يرضاه من فعل وقول. وقال سفيان بن عيينة: الحياء أخف التقوى ولا يخاف العبد حتى يستحي، وهل دخل أهل التقوى في التقوى إلا من الحياء؟ (من استحيى من الله حق الحياء فليحفظ الرأس) أي رأسه (وما وعى) ما جمعه من الحواس الظاهرة والباطنة حتى لا يستعملها إلا فيما يحل (وليحفظ البطن وما حوى) أي وما جمعه باتصاله من القلب والفرج واليدين والرجلين، فإن هذه الأعضاء متصلة بالجوف فلا يستعمل منها شيئا في معصية الله فإن الله ناظر في الأحوال كلها إلى العبد لا يوارثه شئ وعبر في الأول بوعي وفي الثاني يحوي للتفنن. قال الطيبي: جعل الرأس وعاء وظرفا لكل مالا ينبغي من زائل الأخلاق كالفم والعين والأذن وما يتصل بها وأمر أن يصونها كأنه قيل كف عنك لسانك فلا تنطق به إلا خيرا. ولعمري أنه شطر الإنسان قال الشاعر:
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده * فلم يبق إلا صورة اللحم والدم ولهذا سيجئ في خبر من صمت نجا. ولم يصرح بذكر اللسان ليشمل ما يتعلق بالفم من أكل الحرام والشبهات، وكأنه قيل: وسد سمعك أيضا عن الإصغاء إلى ما لا يعنيك من الأباطيل والشواغل واغضض عينك عن المحرمات والشبهات ولا تمدن عينيك إلى ما تمتع به الكفار من زهرة كيف لا وهو رائد القلب سلطان الجسد ومضغة إن صلحت صلح الجسد كله وإن فسدت فسد الجسد كله؟ وهنا نكتة وهي عطف ما وعى على الرأس، فحفظ الرأس مجملا عبارة عن التنزه عن الشرك، فلا يضع رأسه لغير الله ساجدا ولا يرفعه تكبرا على عبادة الله، وجعل البطن قطبا يدور على
(٦٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 618 619 620 621 622 623 624 625 626 627 628 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة