فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٦٢٠
ولأن الصدقة إذا أطلقت في التنزيل مقترنة بالصلاة فالمراد بها الزكاة، لكن يؤخذ من تعليلهم الآتي ذكرها للتصوير لا للتقيد (برهان) حجة ودليل قوي إلى إيمان المتصدق وحبه لربه ورغبته في ثوابه فإن النقس مجبولة على حب المال، والشيطان يعد الإنسان الفقر ويزين له الشح والنفس تساعده، فمخالفة النفس والشيطان من أقوى البراهين على حب الرحمن * (ويطعمون الطعام على حبه) * (الانسان: 8) وهنا تكلفات يمجها السمع فاحذرها (والصبر) أي حبس النفس على مشاق الطاعة والنوائب والمكاره (ضياء) أي لا يزال صاحبه مستضيئا بنور الحق على سلوك سبيل الهداية والتوفيق ليتحلى بضياء المعارف والتحقيق فيظفر بمطوبه ويفوز بمرغوبه. وخص الصلاة بالنور، والصبر بالضياء: مع أن الضياء أعظم بشهادة * (هو الذي جعل لكم الشمس ضياء والقمر نورا) * لأن الصبر أس جميع الأعمال، ولولاه لم تكن صلاة ولا غيرها، ولأن الضوء فيه إحراق، والنور محض إشراق، والصبر شاق مر المذاق (والقرآن) أي اللفظ المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم للإعجاز بأقصر سورة منه (حجة لك) في تلك المواقف التي تسأل فيها عنه كالقبر والميزان وعقبات الصراط إن عملت بما فيه من امتثال المأمور وتجنب المنهي (أو عليك) في تلك المواطن إن لم تعمل به، وزعم أن المراد لك أو عليك في المباحث الشرعية والقضايا الحكمية مما يمجه السمع، ولما كان هذا مظنة سؤال سائل يقول قد تبين من هذا التقدير الرشد من الغي فما في حال الناس بعد ذلك حتم لذلك بجملة استئنافية فقال (كل الناس يغدو) أي كل منهم يبكر ساعيا في تحصيل أغراضه (فبائع نفسه) من ربها ببذلها فيما يرضاه (فمعتقها) من أليم العذاب * (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله) * (أو) بائع نفسه من الشيطان بذلها فيما يؤذيها فهو (موبقها) أي مهلكها بسبب ما أوقعها فيه من استحقاق العذاب وكشف الحجاب والإبعاد عن حضرات رب الأرباب، والفاء في فبائع نفسه تفصيلية وفي فمعتقها سببة (واعلم) أن جميع ما مر تقريره هو حاضر ما ذكره النووي ثم القاضي. وقال الطيبي بعد إيراده: ولعل المعنى بالإيمان هنا شعبته كما في حديث الإيمان بضع وسبعون شعبة والطهور والحمد وسبحان الله والصلاة والصدقة والصبر والقرآن أعظم شعبها التي تخص وتخصيصها ليان فائدتها وفخامة شأنها، فبدأ بالطهور وجعله شطر الإيمان أي شعبة منه، وتقريره بوجوه: أحدها أن طهارة الظاهر أمارة لطهارة الباطن، إذ الظاهر عنوانه فكما أن طهارة الظاهر ترفع الخبث والحدث فكذا طهارة الباطن في التوبة تفتح باب السلوك للسائرين إليه تعالى، ولهذا جمعها في قوله * (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) * الثاني أنه اشتهر أن من أراد الوفود إلى العظماء يتحرى تطهير ظاهره من الدنس ولبس الثياب النقية الفاخرة فوافد مالك الملوك ذو العزة والجبروت أولى. قال: وخص الصلاة بالنور والصبر بالضياء، لأن فرط الإنارة والصبر تثبت عليه أركان الإسلام، وبه أحكمت قواعد الإيمان وختم تلك الشعب بقوله والقرآن حجة لك أو عليك وسلك به مسلكا غير مسلكها دلالة على كونه سلطانا قاهرا وحاكما فيصلا، يفرق بين الحق والباطل حجة الله في الخلق به السادة
(٦٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 615 616 617 618 619 620 621 622 623 624 625 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة