فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٦٢٥
وأباينه. قال الزركشي: وانتصاب تفصيا على التميز كقوله تعالى * (وأحسن مقيلا) * (الفرقان: 24) (من صدور الرجال) أي من قلوبهم التي في صدورهم (من النعم) أي الإبل (من عقلها) أي أشد نفارا من الإبل إذا انفلتت من العقال، فإن من شأن الإبل طلب التفلت مهما أمكنها، فمتى لم يتعاهد صاحبها رباطها تفلتت، فكذلك حافظ القرآن إن لم يتعاهد تفلت، بل هو أشد من ذلك، وفي نص القرآن إشارة إلى ذلك حيث قال * (إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا) * وقال * (ولقد يسرنا القرآن للذكر) * فمن حافظ على تلاوته بشراشره يسره له، ومن أعرض عنه تفلت منه. وروي بعقلها، والباء فيه بمعنى من. والعقل جمع عقال ككتاب وكتب يقال عقلت البعير أعقله عقلا، وهو أن تنثني وظيفه على ذراعه فيشدان بحبل، وذلك الحبل هو العقال. قال التوربشتي: ويجوز تخفيف الحرف الوسط في الجميع مثل كتب وكتب. قال والرواية فيه من غير تخفيف. ونسيان القرآن كبيرة. وفيه ندب ضرب الأمثال لإيضاح المقاصد. (حم ق ن عن ابن مسعود) وفي الباب عن ابن عمر وغيره.
975 - (استرشدوا) بكسر المعجمة (العاقل) أي الكامل العقل، قال للكمال لا للحقيقة (ترشدوا) بفتح أوله وضم ثالثه كما ضبطه جمع. أي اطلبوا منه ندبا مؤكدا الإرشاد وإلى إصابة الصواب يحصل لكم الاتصاف بالرشد والسداد، ولكن يختلف الحال باختلاف الأمر المطلوب، فتشاور في أمور الدين وشؤون الآخرة الذين عقلوا الأمر والنهي عن الله وعقلوا بالعقل النفوس عن موارد الهوى وكفوها بالخوف عن موارد الردى وألزموها طرق سبل الهدى. وفي أمور الدنيا من جرب الأمور ومارس المحبوب والمحذور، ولا تعكس، ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة مر بقوم يلقحون نخلا فقال لو لم تفعلوا كان لصلح، فتركوا، فخرج شيصا، فقال أنتم أعلم بأمر دنياكم. رواه مسلم، وروى أحمد عن طلحة قال مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في نخل فرأى قوما يلقحون نخلا فقال ما تصنعون؟ قالوا كنا نضعه، قال لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرا، فتركوه فنقصت ثمرته، فقال إنما أنا بشر مثلكم وإن الظن يخطئ ويصيب ولكن ما قلت لكم قال الله فلن أكذب على الله فلن أكذب على الله. اه‍. وقد أمر الله نبيه بالاستشارة مع كونه أرجح الناس عقلا. فقال تعالى * (وشاورهم في الأمر) * (آل عمران: 159) وأثنى تعالى على فاعليها في قوله * (وأمرهم شورى بينهم) * (الشورى: 38) (ولا تعصوه) بفتح أوله (فتندموا) أي لا تخالفوه فيما يرشدكم إليه فتصبحوا على فعلتم نادمين. والفاء لقوة ارتباط الطلب وتأكد طلب المنع من المخالفة والتحذير منها. وأعظم به من حث على استشارة أولي الألباب والاقتداء بهم، وفيه تنويه عظيم على شرف العقل. قال بعض الحكماء من استعان بذوي العقول فاز بدرك المأمول. وقال بعضهم لا تصلح الأمور إلا برأي أولي الألباب. والرحى لا تدور إلا على الأقطاب. قال البيهقي قيل لرجل من بني عبس: ما أكثر صوابكم، فقال نحن ألف رجل فينا حازم ونحن نطيعه فكأننا ألف حازم. وقال علي كرم الله وجهه: نعم الموازرة المشاورة، وبئس
(٦٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 620 621 622 623 624 625 626 627 628 629 630 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة