فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ١ - الصفحة ٦٢٤
سرية الأعضاء من القلب والفرج واليدين والرجلين. وفي عطف وما حوى على البطن إشارة إلى حفظه من الحرا والاحتراز من أن يملأ من المباح، وقد تضمن ذلك كله قوله (وليذكر الموت والبلى) لأن من ذكر أن عظامه تصير بالية وأعضاؤه متمزقة هان عليه ما فاته من اللذات العاجلة، وأهمه ما يلزمه من طلب الآجلة، وعمل على إجلال الله وتعظيمه، وهذا معنى قوله (ومن أراد الآخرة) أي الفوز بنعيمها (ترك زينة الدنيا) لأن الآخرة خلقت لحظوظ الأرواح وقرة عين الإنسان، والدنيا خلقت لمرافق النفوس، وهما ضرتان: إذا أرضيت إحداهما أغضبت الأخرى، فمن أراد الآخرة وتشبث بالدنيا كان كمن أراد أن يدخل دار ملك دعاه لضيافته وعلى عاتقه جيفة والملك بينه وبين الدار، عليه طريقه وبين يديه ممره وسلوكه، فكيف يكون حياؤه منه؟ فكذا مريد الآخرة مع تمسكه بالدنيا، فإذا كان هذا حال من أراد الآخرة فكيف بمن أراد من ليس كمثله شئ؟ فمن أراد الله فليرفض جميع ما سواه استحياء منه بحيث لا يرى إلا إياه (فمن فعل ذلك فقد استحيى من الله حق الحياء) قال الطيبي: المشار إليه بقوله ذلك جميع ما مر، فمن أهمل من ذلك شيئا لم يخرج من عهدة الاستحياء وظهر من هذا أن جبلة الإنسان وخلقته من رأسه إلى قدمه ظاهره وباطنه معدن العيب ومكان المخازي، وأنه تعالى هو العالم بها. فحق الحياء أن يستحيى منه ويصونها عما يعاب فيها. وأصل ذلك ورأسه ترك المرء ما لا يعنيه في الإسلام وشغله بما يعينه عليه، فمن فعل ذلك أورثه الاستحياء من الله. والحياء مراتب: أعلاها الاستحياء من الله تعالى ظاهرا وباطنا، وهو مقام المراقبة الموصل إلى مقام المشاهدة. قال في المجموع عن الشيخ أبي حامد: يستحب لكل أحد صحيح أو مريض الإكثار من ذكر هذا الحديث بحيث يصير نصب عينيه، والمريض أولى. - (حم ت ك هب عن ابن مسعود) قال قال النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم لأصحابه، استحيوا من الله، قالوا إنا نستحي من الله يا نبي الله والحمد لله، قال ليس كذلك ولكن من استحيى من الله حق الحياء فليحفظ إلخ. صححه المؤلف اغترارا بتصحيح الحاكم وتقرير الذهبي له في التصحيح وليس هو منه بسديد مع تعقبه هو وغيره كالصدر المناوي له بأن فيه أبان بن إسحاق. قال الأزدي تركوه لكن وثقه العجلي عن الصباح بن مرة. قال في الميزان: والصباح واه، وقال المنذري رواه الترمذي وقال غريب فعرفه من حديث أبان بن إسحاق عن الصباح، قال - أعني المنذري - وأبان فيه مقال، والصباح مختلف فيه وتكلم فيه لرفعه هذا الحديث وقالوا: الصواب موقوف، والترمذي قال لا يعرف إلا من هذا الوجه.
974 - (استذكروا القرآن) أي استحضروه في قلوبكم وعلى ألسنتكم واطلبوا من أنفسكم المذاكرة والسين للمبالغة (فلهو أشد نقيصا) بفاء وصاد مهملة ومثناة تحتية خفيفة: أي تفلتا أو تخلصا.
قال الزمخشري: تقول قضى الله بالتفصي من هذا الأمر، وليتني أتفصى من فلان: أي أتخلص منه
(٦٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 619 620 621 622 623 624 625 626 627 628 629 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة